ووقف الإمام مع حكومة أبي بكر موقفا سلبيا اتّسم بالعزلة التامّة عن الناس وعدم الاشتراك مع الجهاز الحاكم بأي لون من ألوان الاجتماع ، فقد انصرف إلى تدوين الأحكام الشرعية وتفسير القرآن الكريم ، فقد أعرض عن القوم وأعرضوا عنه لا يراجعهم ولا يراجعونه ، اللهمّ إلاّ إذا حلّت في ناديهم مشكلة فقهية لا يعرفون حلّها فزعوا إليه ليجيبهم عنها.
ويتساءل الكثيرون : لما ذا لم يقف الإمام عليهالسلام مع أبي بكر موقفا سلبيا ، ويفتح معه باب الحرب ، ويأخذ حقّه منه بالقوّة ، فقد أعرض عن ذلك ، وخلد إلى الاعتزال ، وقد أدلى الإمام عليهالسلام ببعض الأسباب التي دعته لإلقاء الستار على حقّه وهي :
لم تتوفّر عند الإمام عليهالسلام أيّة قوّة عسكرية يستطيع أن يتغلّب بها على الأحداث ، ويستلم مقاليد الحكم ، وقد صرّح بذلك في كثير من المناسبات ، وهذه بعضها :
أ ـ قال عليهالسلام في خطبته الشقشقية :
« وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء ، أو أصبر على طخية عمياء (١) ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصّغير ، ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه! فرأيت أنّ الصّبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى. وفي الحلق شجا (٢) ، أرى تراثي نهبا ... » (٣).
__________________
(١) الطخية : الظلمة.
(٢) الشجى : ما يعترض في الحلق من عظم ونحوه.
(٣) نهج البلاغة ١ : ٣١.