لعلي : « اكفني هؤلاء » ، فحمل عليهم الإمام فكشفهم عنه ، وحملت عليه كتيبة اخرى تقارب خمسين فارسا ، فقال لعليّ : « اكفني هؤلاء » فحمل عليهم الإمام وكان راجلا فقتل أربعة من أبناء سفيان بن عويف ، وستّة من تلك الكتيبة ، وقد ذادها عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد جهد شاق.
وحملت على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كتيبة فيها هشام بن أميّة ، فقتله الإمام ، ففرت كتيبته ، وحملت على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كتيبة فيها بشر بن مالك ، فقتله الإمام ، وولّت كتيبته منهزمة ... وبهر جبرائيل من مواساة الإمام وجهاده وصبره فقال للنبيّ : « إنّ هذه المواساة قد عجبت منها الملائكة » ، فقال له النبيّ : « وما يمنعه وهو منّي وأنا منه »؟ فقال جبرائيل : « وأنا منكما » (١).
وظلّ الإمام صامدا في تلك المعركة الرهيبة مدافعا عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وفاديا له بنفسه ، وقد اصيب بست عشرة ضربة كلّ ضربة تلزمه الأرض ، وما كان يرفعه إلاّ جبرائيل (٢) ... ففي ذمّة الإسلام ما لا قاه إمام المتّقين وسيّد الموحّدين من المصاعب والأهوال في سبيل نشر دعوة الإسلام ، ولو لاه لما قام الإسلام على سوقه ولا ارتفعت له كلمة ، ومن المؤسف أنّ هذا العملاق العظيم والمجاهد الأوّل قد دفع عن مقامه وقرن بينه وبين أعضاء الشورى الذين ليس لهم سابقة الجهاد مثله.
وشفت هند غليلها وانطفأت جمرة حقدها حينما علمت بمصرع الشهيد حمزة ، فسارعت تفتّش عن جثّته وهي مثلوجة الفؤاد ناعمة البال ، فلمّا أبصرتها أقبلت عليها كالكلبة فمثّلت بها شرّ تمثيل ، فاستخرجت كبده فلاكته ثمّ لفظته ،
__________________
(١) أعيان الشيعة ٣ : ١١١.
(٢) أسد الغابة ٤ : ٢٠.