وارتفعت أصوات الانكار من جميع جنبات المسجد وهي ذات لهجة واحدة :
اتّق الله يا عثمان! اتّق الله يا عثمان! (١).
وانهار أمام هذا الحشد الهائل من الانكار ولم يدر ما يقول ، ولم يجد بدّا من إعلان التوبة مرّة ثانية ، فتاب وندم على ما فرّط في أمر نفسه.
وأحاط الثوّار بعثمان لأنّه لم يقلع عن سياسته ، ولا يغيّر ولا يبدّل أي شيء منها ، وطالبوه بالاستقالة من منصبه فأبى ، ورأى أنّ خير وسيلة له أن يستنجد بابن عمّه معاوية ليبعث له قوّة عسكرية من أهل الشام تحميه من الثوّار ، فكتب إليه :
أمّا بعد ، فإنّ أهل المدينة قد كفروا ، وخلعوا الطاعة ونكثوا البيعة ، فابعث إليّ من قبلك مقاتلة أهل الشام على صعب وذلول .. (٢).
وحمل الكتاب مسوّر بن مخرمة ، وأخذ يجدّ في السير حتى انتهى إلى معاوية ، فناوله الكتاب وقال له :
يا معاوية ، انّ عثمان مقتول ، فانظر فيما كتب به إليك.
وسخر منه معاوية وأجابه :
يا مسوّر ، إنّي مصرّح أنّ عثمان بدأ فعمل بما يحب الله ورسوله ويرضاه ، ثمّ غيّر فغيّر الله عليه ، أفيتهيّأ لي أن أردّ ما غيّر الله عزّ وجلّ .. (٣)؟
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ١١٠. أنساب الأشراف ٥ : ٧٤.
(٢) الكامل في التاريخ ٥ : ٦٧. تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٥٠.
(٣) فتوح البلدان ٢ : ٢١٨.