أميرهم إلى الصحابة ، فانبرى طلحة إلى عثمان فكلّمه بكلام قاسي ، وأرسلت إليه عائشة تطالبه بإنصاف القوم ، وكلّمه
الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام في شأنه قائلا : « إنّما يسألك القوم رجلا مكان رجل ، وقد ادّعوا قبله دما ، فاعزله واقض بينهم ، فإن وجب عليه حقّ فأنصفهم منه ... ».
واستجاب عثمان ـ على كره ـ لنصيحة الإمام ، وقال للقوم : اختاروا رجلا اولّيه عليكم مكانه ، فأشاروا عليه بمحمّد بن أبي بكر ، فكتب إليه عهده ، وبعث معه عدّة من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بينهم وبين ابن أبي سرح (١) ، ونزح القوم من المدينة ، فلمّا انتهوا إلى الموضع المعروف بـ ( حمس ) وإذا بقادم من المدينة ، تأمّلوه وإذا هو ورش غلام عثمان ، ففتّشوه وإذا به يحمل رسالة من عثمان إلى ابن أبي سرح يأمره فيها بالتنكيل بالمصريّين ، وتأمّلوا الكتاب وإذا به بخطّ مروان ، فقفلوا راجعين إلى المدينة وقد صمّموا على قتل عثمان أو خلعه (٢).
وأقرّ عثمان معاوية على الشام ، فقد ولاّه عمر عليه ، وزاد عثمان في رقعة سلطانه ، وزاد في نفوذه ، وقد مهّد له الطريق لنقل الخلافة إليه.
يقول الدكتور طه حسين :
وليس من شكّ في أنّ عثمان هو الذي مهّد لمعاوية ما اتيح له من نقل الخلافة ذات يوم إلى آل أبي سفيان ، وتثبيتها في بني أميّة ، فعثمان هو الذي وسّع على معاوية في الولاية فضمّ إليه فلسطين وحمص ، وأنشأ له وحدة شامية بعيدة الأرجاء ، وجمع له قيادة الأجناد الأربعة ، فكانت جيوشه أقوى جيوش المسلمين ، ثمّ مدّ له في الولاية أثناء خلافته كلّها كما فعل عمر ، وأطلق يده في امور الشام أكثر ممّا أطلقها
__________________
(١) أنساب الأشراف ٥ : ٢٦.
(٢) حياة الإمام الحسين بن عليّ عليهماالسلام ١ : ٢٥٠.