أذن صاغية ، فعرض صلىاللهعليهوآلهوسلم في خطابه إلى توحيد الله والثناء عليه وإلى نصره لدينه وهزيمته للمشركين ثمّ قال :
« يا معشر قريش ، إنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهليّة وتعظيمها بالآباء. النّاس من آدم ، وآدم من تراب » ، ثمّ تلا قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) (١).
« يا معشر قريش ، ما ترون أنّي فاعل بكم؟ ».
فهتفوا جميعا بلسان واحد :
خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم ...
فأصدر رسول الرحمة العفو عنهم قائلا : « اذهبوا فأنتم الطّلقاء ... » (٢).
وتمثّلت الرحمة والشرف والكرامة بجميع ما تحمل هذه الألفاظ من معنى في هذا العفو ، فلم يقابل أولئك الجفاة الجناة بالمثل وأعرض عمّا لاقاه منهم من صنوف الإساءة والأذى ، ولم يؤاخذهم بجرائمهم وآثامهم التي تقتضي أن يعدم رجالهم ويستصفي أموالهم ، ولا يترك لهم أي أثر أو وجود على الأرض.
وفزعت هوازن كأشدّ ما يكون الفزع حينما وافتهم الأنباء بفتح النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مكّة ، وخضوع القبائل القرشية لحكم الإسلام ، فانبرى مالك بن عوف وهو زعيم هوازن فجمع قبيلته ، واستنجد ببعض القبائل العربية الاخرى وفي طليعتها ثقيف ،
__________________
(١) الحجرات : ١٣.
(٢) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٢ : ٤١٢.