ولم يمكث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في يثرب إلاّ زمنا يسيرا بعد رجوعه من معركة أحد حتى أمر أصحابه أن ينفروا لحرب قريش ، وخصّ طلبه بالذين اشتركوا معه في الحرب بما فيهم الجرحى ، والسبب في ذلك أن يوهم على قريش أنّه محتفظ بقوّته حتى لا يكرّوا الرجعة إليه ، وكانوا قد عزموا على ذلك ، فلمّا وافتهم الأنباء بزحف النبيّ إليهم تثاقلوا وتراجعوا عمّا صمّموا عليه ، وكانت هذه
الخطة من أروع الخطط السياسية والحربية.
ورجعت قريش إلى مكّة وهي تعزف أبواق النصر بما حقّقته من نصر على المسلمين وما أوقعته فيهم من الخسائر الفادحة في النفوس والأموال ، وكان من أعظم المسرورين أبو سفيان وزوجته هند وسائر بني أميّة ، فقد أخذوا ثأرهم من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وذلك بما سفكوه من دم عمّه حمزة وسائر الأبطال من المسلمين.
أمّا واقعة الخندق فهي واقعة الأحزاب ، سمّيت بذلك لتحزّب القبائل على حرب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد ضاق منها المسلمون ذرعا وساد فيهم الرعب والخوف ، وذلك لقوّة المشركين وانضمام اليهود إليهم ، فقد كان عددهم عشرة آلاف مقاتل وعدد جيش المسلمين ثلاثة آلاف مقاتل ، وقد حكى القرآن الكريم مدى الفزع الذي أصاب المسلمين من أعدائهم قال تعالى : ( إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ ) (١) ، وقد كتب الله تعالى النصر للإسلام
__________________
(١) الأحزاب : ١٠.