« لن أصاب بمثلك أبدا ، ما وقفت موقفا قطّ أغيظ إليّ من هذا ، لو لا أن تحزن صفيّة ويكون سنّة من بعدي لتركته حتّى يكون في بطون السّباع وحواصل الطّيور ، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لامثّلنّ بثلاثين رجلا منهم ».
وانبرى المسلمون بلوعة وأسى قائلين :
والله! لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثّلنّ بهم مثلة لم يمثّلها أحد من العرب ...
ونزل جبرئيل على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يرشده إلى ما ينبغي له مع قريش ، وكره له التمثيل بهم بهذه السعة ، فقد رفع له هذه الآية : ( وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ) (١).
فعفا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وصبر ونهى عن المثلة ، وقال : « إنّ المثلة حرام ولو بالكلب العقور ».
لقد كانت معركة أحد المعركة الوحيدة التي هزم فيها المسلمون شرّ هزيمة ، وقد قال ابن إسحاق : إنّ يوم أحد يوم بلاء ومصيبة وتمحيص اختبر الله به المؤمنين ومحقّ به المنافقين ممّن كان يظهر الإيمان بلسانه وهو مستخف بالكفر في قلبه ، ويوما أكرم الله فيه من أراد كرامته بالشهادة (٢).
وقد أخبر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام بعد انتهاء المعركة أنّه لا يصيب المشركون من المسلمين مثل هذه المعركة حتى يفتح الله تعالى على المسلمين (٣).
__________________
(١) النحل : ١٢٦ و ١٢٧.
(٢) السيرة النبوية ـ ابن هشام ٢ : ١٠٥.
(٣) البداية والنهاية ٤ : ٤٧.