الوضع ، واستلموا الحكم بمهارة فائقة كما سنبيّن ذلك.
وشيء بالغ الأهميّة في انهزام الأنصار وعدم سيطرتهم على الموقف هو ما منوا به من الصراع القبلي بين الأوس والخزرج ، فقد كانت بينهما أحقاد وضغائن منذ عهد بعيد ، وشاعت بينهما الفتن والحروب ، وكان آخر أيام حروبهم هو ( يوم بغاث ) وكان ذلك قبل أن يهاجر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إليهم ، ولمّا حلّ في ديارهم جهد على نشر المحبّة والوئام فيما بينهم ، ولكن لم تزل الأحقاد كامنة في نفوسهم ، وقد ظهرت بشكل سافر يوم السقيفة ، فإنّه حينما عزموا على مبايعة سعد حقد عليه خضير بن أسيد زعيم الأوس ، فقال لقومه :
لئن ولّيتموها ـ أي الخلافة ـ سعدا عليكم مرّة واحدة لا زالت لهم بذلك الفضيلة ، ولا جعلوا لكم فيها نصيبا أبدا ، فقوموا فبايعوا أبا بكر (١).
وحكى ذلك مدى الحقد المستحكم في نفوس الأوس للخزرج ، فإنّ سعدا إذا ولي الحكم مرّة واحدة تكون له فضيلة على الأوس وتفوّق عليهم ، وفعلا فقد انبرى مع قومه فبايع أبا بكر ولولاه لما تمّ الأمر له.
ومضافا إلى الأحقاد بين الأوس والخزرج إنّ بعض أبناء الخزرج الذين هم من أسرة سعد كانوا يحقدون عليه ، فهذا بشير بن سعد الخزرجي انبرى فبايع أبا بكر.
وشيء خطير بالغ الأهمّية قام به عمر لتجميد الأوضاع وإيقاف أيّة عملية تؤدّي إلى انتخاب خليفة على المسلمين ، فإنّ صاحبه أبا بكر لم يكن في يثرب عند
__________________
(١) الكامل في التاريخ ٢ : ٢٢٤.