وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وإنّما كان في السنح (١) ، فبعث خلفه من يأتي به على وجه السرعة ، وانطلق عمر وهو يجوب في شوارع المدينة ، وقد شهر السيف ويلوّح به وينادي بصوت عال :
إنّ رجالا من المنافقين يزعمون أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد مات ، والله! ما مات ولكنّه ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى بن عمران ... والله ليرجعنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيقطعن أيدي رجال وأرجلهم ممّن أرجفوا بموته ...
وجعل لا يمرّ بأحد يقول مات رسول الله إلاّ خبطه بسيفه وتهدّده وتوعّده .. (٢).
وذهل الناس وساورتهم موجات من الشكوك والأوهام ، فلا يدرون أيصدّقون مزاعم عمر بحياة النبيّ وأنّه لم يمت وهي من أعزّ أمانيهم ، ومن أروع أحلامهم ، أم يصدّقون ما عاينوه من جثمان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو مسجّى بين أهله لا حراك فيه.
ويستمرّ عمر يجول في الأزقّة والشوارع وهو يبرق ويرعد حتى أزبد شدقاه ، وهو يتهدّد بقتل من أرجف بموت النبيّ وبقطع يده ، ولم يمض قليل من الوقت حتى أقبل أبو بكر فانطلق معه إلى بيت النبيّ فكشف الرداء عن وجهه فتحقّق من وفاته ، فخرج إلى الناس وأخذ يفنّد مزاعم عمر ، وخاطب الجماهير التي أخرسها الخطب وذهلها المصاب قائلا :
من كان يعبد محمّدا فإنّ محمّدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت ، وتلا قوله تعالى : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ
__________________
(١) السنح : محل يبعد عن المدينة بميل ، وقيل : هو أحد عواليها ، ويبعد عنها بأربعة أميال.
(٢) حياة الإمام الحسين بن علي عليهماالسلام ١ : ٢٤١ ، نقلا عن شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد.