هذه بعض الملاحظات التي تواجه خطاب أبي بكر.
وكسب الموقف أبو بكر في خطابه السالف الذي أثنى فيه على الأنصار ، فقد منّاهم بالوزارة ، وأزال ما في نفوسهم ما كانوا يحذرونه من استبداد المهاجرين بالحكم ، إلاّ أنّ بعض الأنصار شجب البيعة لأبي بكر ، فردّ عليه عمر بعنف قائلا :
هيهات لا يجتمع اثنان في قرن ، والله! لا ترضى العرب أن يؤمّروكم ونبيّها من غيركم ، ولكن العرب لا تمتنع أن تولّي أمرها من كانت النبوّة فيهم ، وولي امورهم منهم ، ولنا بذلك على من أبى الحجّة الظاهرة والسلطان المبين من ذا ينازعنا سلطان محمّد وامارته ونحن أولياؤه وعشيرته؟ إلاّ مدل بباطل أو متجانف لاثم أو متورّط في هلكة ..
وليس في هذا الكلام شيء جديد سوى أنّ المهاجرين من قريش أولى بالرسول لأنّهم من أسرته القرشية ، وإذا أخذوا الحكم بهذه الحجّة وسيطروا على الموقف بها فإنّ عليّا أولى لأنّه من صميم الاسرة النبوية بالاضافة إلى جهاده وجهوده في سبيل الإسلام ، يقول الأستاد محمّد الكيلاني :
إنّه احتجّ عليهم ـ أي على آل النبيّ ـ بقرابة المهاجرين للرسول ، ومع ذلك فقد كان واجب العدل يقضي بأن تكون الخلافة لعليّ بن أبي طالب ما دامت القرابة اتّخذت سندا بحيازة ميراث الرسول ، لقد كان العبّاس أقرب الناس إلى النبيّ ، وكان أحقّ الناس بالخلافة ، ولكنّه تنازل بحقّه هذا لعليّ ، فمن هنا صار لعليّ الحقّ وحده في هذا المنصب (١).
وعلى أي حال فإنّ عمر لم ينته من كلامه حتى ردّ عليه الحبّاب بقوله :
__________________
(١) أثر التشيّع في الأدب العربيّ : ٥.