يا معشر الأنصار ، املكوا عليكم أمركم ، ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، فإن أبوا عليكم ما سألتموهم فاجلوهم عن هذه البلاد ، وتولّوا عليهم هذه الامور ، فأنتم ـ والله! ـ أحقّ بهذا الأمر منهم ؛ فإنّه بأسيافكم ، دان الناس لهذا الدين من دان ممّن لم يكن يدين ، أنا جذيلها المحك ، وعذيقها المرجب ، أنا شبل في عرينة الأسد والله! لو شئتم لنعيدنها جذعة ، والله! لا يرد أحد عليّ ما أقول إلاّ حطّمت أنفه بالسيف .. ».
وحفل هذا الخطاب بالعنف والتهديد ، والدعوة إلى الحرب ، وإجلاء المهاجرين ـ الذين لا يتجاوز عددهم الأصابع ـ عن يثرب ، كما حفل بالاعتزاز بنفس المتكلّم والافتخار بشجاعته ، وردّ عليه عمر بغيظ قائلا :
إذا يقتلك الله ...
فردّ عليه الحبّاب :
بل إيّاك يقتل ..
وخاف أبو بكر من تطوّر الأحداث فهدأ الموقف وبادر أعضاء حزبه بسرعة خاطفة فبايعوه ، وكان أوّل من بايعه عمر وبشير وأسيد بن خضير وعويم بن ساعدة ومعن بن عدي وأبو عبيدة بن الجرّاح وسالم مولى أبي حذيفة ، وكان من أشدّهم حماسا واندفاعا لبيعته عمر وخالد بن الوليد ، واشتدّ هؤلاء في حمل الناس وإرغامهم على مبايعة أبي بكر ، وجعل عمر يجول ويصول ويدفع الناس دفعا إلى البيعة ، ومن أبى علاه بدرته ، وسمع الأنصار يقولون :
قتلتم سعدا ...
فاندفع يقول بعنف :
اقتلوه قتله الله ، فإنّه صاحب فتنة ..