واستقبلت القوى الخيّرة خلافة عثمان بكثير من القلق والوجوم والاضطراب ، فقد اعتبرت فوزه في الحكم فوزا لاسرة الأمويّين الذين لم يألوا جهدا في محاربة الإسلام والكيد للمسلمين ، ويرى « دوزي » أنّ انتصار الأمويّين إنّما هو انتصار للجماعة التي كانت تضمر العداء للإسلام (١).
لقد خاف المسلمون على دينهم ، وخافوا على دولتهم من الأمويّين ، وتحقّق ما خافوا منه ، فإنّه لم يمض قليل من الوقت حتى استولى الأمويّون على جميع أجهزة الدولة ، وسخّروا الاقتصاد العامّ لمصالحهم حتى عمّ الفقر وسادت الفوضى في جميع أنحاء البلاد.
إنّ عثمان حينما فرضه ابن عوف خليفة على المسلمين احتفّ به الأمويّون واخوانهم القرشيّون ، وجاءوا به يزفّونه إلى مسجد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد علت أصواتهم بالدعم الكامل لحكومته ، والهتاف بحياته ، واعتلى عثمان المنبر فجلس في الموضع الذي كان يجلس فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم يجلس في المكان الذي كان يجلس فيه أبو بكر وعمر ، وارتاب بعض الحاضرين ، فقالوا : اليوم ولد الشرّ (٢).
واتّجه المجتمع ليسمع ما يدلي به عثمان ، وما يفتح به مناهجه السياسية ، فارتجّ عليه ولم يدر ما يقول ، وجهد نفسه فألقى هذه الكلمات المتقطّعة المضطربة.
__________________
(١) تاريخ الشعر العربيّ : ٢٦.
(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٤٠. البداية والنهاية ٧ : ١٤٨.