أما والله! إنّي وإيّاكم لنعلم ابن بجدتها والخبير بها.
فقالوا :
كأنّك أردت ابن أبي طالب؟
وأنّى يعدل بي عنه ، وهل طفحت حرّة بمثله ..
لو دعوته يا أمير المؤمنين.
فامتنع من إجابتهم وقال :
إنّ هناك شمخا من هاشم ، واثرة من علم ، ولحمة من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يؤتى ولا يأتي فامضوا بنا إليه ..
وخفّوا جميعا إليه فوجدوه في حائط له يعمل فيه وعليه تبان ، وهو يقرأ قوله تعالى : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً ) إلى آخر السورة ودموعه تنهمر على خدّيه ، فلمّا رآه القوم اجهشوا في البكاء ، ولمّا سكتوا سأله عمر عمّا ألمّ به ، فأجابه عنه ، والتفت عمر إلى الإمام فقال له :
أما والله! لقد أرادك الحقّ ، ولكن أبى قومك ...
فأجابه الإمام :
« يا أبا حفص ، خفّض عليك من هنا وهنا » ، وقرأ قوله تعالى : ( إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً ).
وذهل عمر فوضع إحدى يديه على الاخرى ، وخرج كأنّما ينظر في رماد (١).
وعلى أي حال فإنّ الإمام في خلافة عمر قد كان جليسا في بيته يساور الهموم ، ويسامر النجوم ، ويتوسّد الأرق ، ويتجرّع الغصص ، قد كظم غيظه ، وأوكل أمره إلى الله تعالى.
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١٢ : ٧٩ ـ ٨٠.