« أنس بن مالك هذا؟ ... ».
نعم ، يا بنت رسول الله ..
فقالت له بلوعة وبكاء :
« كيف طابت نفوسكم أن تحثوا التّراب على رسول الله » (١) ، وقطع أنس كلامه ، وهو يذرف أحرّ الدموع ، وقد هام في تيارات من الأسى والشجون.
وبلغ من عظيم وجد زهراء الرسول أنّها ألحّت على الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام أن يريها القميص الذي غسّل فيه أباها ، فجاء به إليها ، فأخذته بلهفة وهي توسعه تقبيلا وشمّا ؛ لأنّها وجدت فيه رائحة أبيها الذي غاب في مثواه.
وخلدت بضعة الرسول إلى البكاء في وضح النهار وفي غلس الليل ، وثقل ذلك على القوم ، فشكوها إلى الإمام وطلبوا منه أن تجعل لبكائها وقتا خاصّا لأنّهم لا يهجعون ولا يستريحون ، وعرض الإمام عليها ذلك ، فأجابته إلى ما أراد ، فكانت في النهار تخرج خارج المدينة وتصحب معها ولديها الحسن والحسين وبنتها زينب ، فتجلس تحت شجرة من الاراك وتبكي أباها طيلة النهار ، فإذا أو شكت الشمس أن تغرب قفلت راجعة مع أولادها إلى البيت الذي خيّم عليه الحزن والبكاء ، وعمد القوم إلى تلك الشجرة فقطعوها فصارت تبكي في حرّ الشمس ، فقام الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام فبنى لها بيتا أسماه « بيت الأحزان » فاتّخذته مقرّا لبكائها ، ونسب إلى مهدي آل محمّد ( عجّل الله فرجه ) أنّه قال فيه :
« أم تراني اتّخذت ـ لا ، وعلاها ـ بعد بيت الأحزان بيت سرور ».
وأثّر الحزن المرهق بوديعة النبيّ حتى فتكت بها الأمراض وذوت كما تذوي
__________________
(١) سنن ابن ماجة : ١٨. المواهب اللدنية ـ القسطلاني ٢ : ٢٨١.