بينهما تزاحم خطابيّ فلا بدّ للمولى من الأمر بكليهما.
وثالثا (١) : أنّ المكلّف لو أتى بكليهما معا ، فإمّا أن يقال : إنّه لم يتحقّق الامتثال ولم يسقط واحد من الأمرين ، بل كلاهما باقيان ، وذلك خلاف الوجدان ، لأنّه كيف يمكن أن يكون الإتيان بالواحد موجبا لسقوط أمره أمّا لو انضمّ إليه الآخر لا يسقط أمره!؟ وإمّا أن يقال بسقوط أحد الخطابين دون الآخر ، وذلك ترجيح بلا مرجّح ، وإمّا أن يقال بسقوط كليهما ، ولازمه إيجاب كلا الأمرين ، لما تقدّم في الوجه السابق.
ورابعا (٢) : لو سلّمنا جميع ذلك وأغمضنا النّظر عن كلّها ، لكن لازم هذا
__________________
(١) أقول : لو قلنا باشتراط أحدهما بعدم الآخر ، لكان يلزم ما في المتن من عدم تحقّق الامتثال عند الإتيان بالأطراف معا ، ولكن ليس في كلام صاحب الكفاية رحمهالله من هذا الاشتراط أيّ أثر ، بل قال : «كان كلّ واحد واجبا بنحو من الوجوب يستكشف عنه تبعاته» [كفاية الأصول : ١٧٤] وليس معنى قوله : «بنحو من الوجوب» هو الاشتراط المذكور ، بل المراد أنّ هذا الوجوب وجوب له هذه الآثار ، فهذا التفسير لكلامه ، وإرجاع الوجوب التخييري إلى وجوبات تعيينيّة مشروطة ، تفسير لا يرضاه صاحب الكلام.
وبعبارة أخرى : إنّ قول الشارع : «افعل هذا أو هذا» ليس على نحو المنفصلة الحقيقية حتى يكون الجامع بين الكلّ في زمان واحد غير ممتثل ، بل على نحو مانعة الخلوّ ، فنفس الإتيان بهما معا أيضا من الأبدال ، ففي المثال يحصل الامتثال بإتيان أحدهما وحده وبالجمع بينهما ، فالآتي بهما معا آت بأحد الأبدال. وهذا المقدار كاف في مقام تصوير الواجب التخييري ، فإنّ المهمّ هو إثبات الإمكان دون الوقوع والإثبات.
نعم ، هذا التصوير خلاف ظاهر الدليل اللفظي ، مثل قوله : «افعل هذا أو هذا» إذا قلنا : إنّه بنحو المنفصلة الحقيقية ، وإلّا فليس خلافا لظاهر الدليل أيضا. (م).
(٢) استحقاق تعدّد العقاب عند ترك الجميع أيضا مترتّب على اشتراط كلّ واحد بعدم الآخر ، فإنّه يرجع الواجب التخييري ـ كما مرّ ـ إلى الواجب التعييني المشروط بعدد الأطراف. وعند ترك الجميع تركت واجبات تعيينيّة ، فيستحقّ العقابين أو أكثر ، ولكن قلنا : إنّ تفسير كلامه بالاشتراط المذكورة خطأ ، هذا أوّلا.