القول أن يكون الواجب مشروطا في كليهما بعدم الإتيان بالآخر ، لتزاحم الملاكين ، ويكون من متفرّعات الترتّب ، فلا بدّ للقائل من الالتزام بعقابين عند ترك الجميع ، والالتزام بعقابين وإن كان صحيحا في مسألة الترتّب ـ لأنّه هناك خطابان غير متزاحمين في الملاك ، وإنّما التزاحم يكون في ناحية الخطاب ـ لكنّه في المقام غير معقول ، حيث إنّ التزاحم إنّما يكون في الملاك لا في نفس الخطابين ، فلا يكون في البين إلّا ملاك واحد ، فتصوير العقابين مشكل ، مع أنّه ـ قدسسره ـ لا يقول بالترتّب.
هذا كلّه فيما أفاده صاحب الكفاية ـ قدسسره ـ مع ما أوردناه عليه.
بقي وجه آخر قيل لتصوير الوجوب التخييري ، وهو أنّه يمكن فرض غرضين قائمين بالفعلين المخيّر فيهما إلّا أنّ مصلحة التسهيل والإرفاق أوجبت سقوط التكليف بتحصيل إحدى المصلحتين عند تحصيل الأخرى.
وفيه : أنّ سقوط أحد الخطابين إمّا أن يكون قبل الإتيان بالآخر أو بعده ، فإن كان قبله ، فلا وجه لإتيانه ، ويكون نفس الخطاب لغوا وعبثا ، وإن كان بعد الإتيان بالآخر ، فلا وجه لإسقاطه ، لأنّ مصلحة التسهيل إنّما هي لعنوان ثانويّ ، مثل الضرر والحرج وأمثال ذلك ، وأمّا مع عدم أحد هذه العناوين فلا وجه لها ولا معنى للتسهيل ، إذ معنى التكليف هو إيقاع المكلّف في الكلفة ، ولازم ذلك أن تكون مصلحة التسهيل مجوّزة ومقتضية لرفع جميع التكاليف ، مضافا إلى أنّ
__________________
وثانيا : لو سلّم الاشتراط وتحقّق التكليفين الفعليّين وكذا استحقاق العقابين ، لا نسلّم استحقاق العقابين هنا ، فإنّ استحقاق العقاب تابع لتفويت الملاك الّذي هو روح الحكم ولبّه ، والمفروض هنا هو تفويت ملاك واحد مقدور ، للتضادّ بين الملاكين.
وبعبارة أخرى : إنّه يستحقّ العقاب على تفويت ما هو قادر على تحصيله ، وما هو قادر على تحصيله ملاك واحد ، فإنّ الجمع بين الملاكين غير ممكن على الفرض. (م).