وأجاب عنه ثانيا بما حاصله : أنّا نختار الشقّ الثاني وأنّ الفعل مقارنا مع قصد القربة يكون متعلّقا للنهي.
وبعبارة أخرى : العبادة الفعليّة هي متعلّق النهي لا الشأنيّة ، ولا محذور فيه من حيث اجتماع المثلين ، فإنّ استحالته فيما إذا كان متعلّق النهي التحريميّ التشريعيّ والذاتيّ واحدا ، والمقام ليس كذلك ، بل متعلّق كلّ منهما مغاير لمتعلّق الآخر ، إذ التشريع إنّما هو البناء على إتيان ما لا يعلم دخوله في الشريعة ، وهو من أفعال القلب ، فمتعلّق الحرمة التشريعيّة هو الفعل الجوانحي ، ومتعلّق الحرمة الذاتيّة هو الفعل الجوارحيّ المغاير مع الأوّل (١).
أقول : هذا الّذي أفاده غير تامّ ، إذ التشريع وهكذا التجرّي والانقياد من العناوين المنطبقة على الفعل الخارجيّ كالتعظيم ، فكما أنّ عنوان التعظيم لا ينطبق إلّا على قيام أحد لآخر احتراما له ـ مثلا ـ ولا ينطبق على مجرّد البناء على ذلك ، كذلك عنوان التشريع والتجرّي والانقياد لا ينطبق إلّا على ارتكاب الشخص فعلا ليس له علم بدخوله في الدين بقصد أنّه من الدين في الأوّل وارتكابه فعلا أحرز أنّه مبغوض في الثاني أو محبوب في الثالث ، فإنّ الأوّل تصرّف في سلطان المولى ، والثاني هتك لحرمته ، والثالث تحصيل لرضاه ، ولا ينطبق على مجرّد العزم أو البناء على ذلك ، وهذا واضح جدّاً. فعلى هذا متعلّق الحرمة التشريعيّة والذاتيّة واحد ، وهو الفعل الخارجيّ ، فلا يعقل أن يكون محكوما بهما معا ، للزوم اجتماع المثلين ، المستحيل.
نعم ، يمكن وجود ملاك كلّ منهما في فعل واحد ـ كما إذا فعل حراما
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢٢٥.