الثالث : رواية «حلال محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة» (١) بتقريب أنّ حكم الخاصّ أيضا إمّا حلال أو حرام ، فبمقتضى عموم هذه الرواية يبقى إلى يوم القيامة ، ولا ينسخ بورود العامّ بعده.
ولا يخفى أنّ المدرك لو كان هذه الرواية ، لكان لدعوى تقديم أصالة عدم النسخ على أصالة العموم مجال ، فإنّ النسبة بين هذه الرواية وبين العامّ الوارد بعد الخاصّ عموم من وجه ، إذ عموم العامّ يقتضي وجوب إكرام كلّ عالم حتى مورد الخاصّ ، وعموم الرواية يقتضي بقاء كلّ حكم وعدم نسخه حتى حكم الخاصّ ، فيقدّم عموم الرواية ، المقتضي للتخصيص والعمل بالخاصّ على عموم العامّ ، المقتضي للنسخ ، لكثرة التخصيص وقلّة النسخ.
لكنّ الإنصاف أنّ هذه الرواية غير ناظرة إلى بقاء كلّ حكم من الأحكام وعدم نسخه ، بل ناظرة إلى أنّ هذه الشريعة لا تكون كسائر الشرائع موقّتة ، بل شريعة مستمرّة إلى يوم القيامة ، والحلال من قبل هذا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حلال من قبل الله ، وحرامه حرام من قبله تعالى ، فهي ظاهرة في أنّ نوع الأحكام باق ، لا أنّ كلّ شخص من أشخاصها كذلك حتى تكون عامّة يمكن التمسّك بها عند الشكّ في أصل بقاء الحكم ، مثلا : نتمسّك بها إذا شككنا في وجوب صلاة الجمعة في زمان الغيبة ، ونحكم ببقاء الوجوب ، وإن لم تكن ظاهرة فيما ذكر ، فلا تكون ظاهرة في بقاء أشخاص الحكم أيضا ، بل تكون مجملة لا ظاهرة في هذا ولا في ذاك ، فظهر أنّ المدرك منحصر بالاستصحاب ، وقد عرفت أنّه لا وجه لجريانه ، فلا مناص عن الالتزام بأصالة العموم ، والحكم بناسخيّة العامّ. هذا في الجهة الثانية.
__________________
(١) الكافي ١ : ٥٨ ـ ١٩ و ٢ : ١٧ ـ ١٨ ـ ٢.