وأمّا الكلام في الجهة الأولى : وهي أنّ أصالة العموم في نفسها حجّة في المقام أم لا؟ فنقول : محلّ الكلام هو العمومات المتأخّرة التي وردت عن المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، ولا مجال لتوهّم كون مثل هذه العمومات باقية على عمومها وناسخة للخصوصات ، وذلك من جهة أنّها ظاهرة في ثبوت الحكم المتكفّل لبيانها من أوّل الشريعة لا من زمان ورود العامّ ، وبعد ما كانت متكفّلة لبيان الأحكام الثابتة في الشريعة من أوّل زمان التشريع لا من زمان ورود هذه العمومات ، فكيف يمكن كونها ناسخة!؟ فإنّ دليل الناسخ يرفع الحكم الثابت من حين وروده لا من حين ثبوت الحكم في الشريعة.
مضافا إلى أنّ قرينيّة الخاصّ للعامّ محفوظة ، ولا مانع من تقديم البيان عن وقت الخطاب ، وما توهّم مانعيّته تأخيره عنه أو عن وقت الحاجة لا تقديمه.
هذا كلّه فيما إذا كان العامّ متأخّرا عن الخاصّ ، وأمّا إذا كان الخاصّ متأخّرا ـ ولا يخفى أنّه لا ثمرة للنزاع في أنّه ناسخ أو مخصّص ، فإنّه على كلّ حال يجب العمل على الخاصّ بعد وروده ، ولو فرض ثمرة فيما إذا ترك العمل بالعامّ قبل ورود المخصّص وكان موجبا للقضاء أو الكفّارة ، فهي نادرة جدّاً ، وهذا بخلاف ما لو كان العامّ متأخّرا ، فإنّ البحث عن ذلك ـ كما عرفت ـ له ثمرة مفيدة كثير الفائدة ـ فلو ورد قبل حضور وقت العمل بالعامّ ، فالحكم بالتخصيص وأنّ الخاصّ بيان للعامّ واضح لا إشكال فيه.
وأمّا لو ورد بعد حضور وقت العمل بالعامّ ، فالقول بأنّ الخاصّ مخصّص وبيان للعامّ مستلزم لتأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو قبيح لا يصدر عن