على المنزلة الثانية ، لأن الشر حاصل بعضه عن بعض ، وحامل بعضه بعضا ، وكذا الخير (١) ، وعلى هذا قال أمير المؤمنين : تبدو نكتة بيضاء في القلب ، كلما ازداد الإيمان ازداد البياض ، فإذا استكمل الإيمان ابيضّ القلب كلّه ، وإن النفاق يبدو نكتة سوداء ، كلما ازداد النفاق ازداد السواد ، فإذا استكمل النفاق اسودّ القلب كلّه (٢) ، وبيّن أن لا يعود إلى الله من مسارعتهم في الكفر
__________________
(١) المسارعة كما ذكر اللغويون هي المبادرة إلى الشيء. انظر : الصحاح (٣ / ١٢٢٨) ، والقاموس ص (٩٤٠) ، وتاج العروس (٢١ / ١٩٢). وكأن الراغب نظر في كلامه عن معنى المسارعة إلى نتائجها وهي الارتقاء في منازل الخير أو الشر ، والتدرج من منزلة إلى أخرى ، واستدعاء كل منزلة للتي تليها.
(٢) رواه ابن المبارك في الزهد ص (٥٠٤ ، ٥٠٥) رقم (١٤٤٠) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (٧ / ٣٠٤) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعزاه لابن المبارك. وهذا المعنى ورد مرفوعا عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا ، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سواء ، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء ، حتى تصير القلوب على قلبين ، قلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض ، وقلب أسود مربادّا كالكوز مجخّيا ، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه» أخرجه مسلم كتاب الإيمان ، باب رقم (١٤٤).