قد تقدّم حقيقة الشرى والبيع إذا استعملا في الكفر والإيمان (١) ، وقال كثير من المفسرين : هذه الآية في معنى الأولى ، وقد أعيدت تأكيدا (٢) ، والصحيح أن الأول ذمّ للذين تحرّوا الكفر وتزايدوا فيه متسارعين ، وهذا ذمّ لمن حصّل الإيمان فأفرج عنه ، واستبدل به كفرا ، وهم الذين وصفهم بالارتداد على أعقابهم ، وذمّ لمن مكّن من الإيمان فرغب عنه ، وآثر الكفر عليه ، فصار كالبائع إيمانه بكفره (٣) ، وقوله : (شَيْئاً) في موضع المصدر ، أو تقديره
__________________
ـ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
(١) انظر : تفسير الراغب لقوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) [البقرة : ١٦] (ق ٢٢ ـ مخطوط).
(٢) ظاهر كلام ابن جرير يدل على ذلك ، انظر : جامع البيان (٧ / ٤١٩).
وانظر : الكشاف (١ / ٤٤٤) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٨٦) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣١٥) ، والبحر المحيط (٣ / ١٢٧) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٠٨) ، وأنوار التنزيل (١ / ١٩١) ، وإرشاد العقل السليم (٢ / ١١٦).
(٣) قال أبو حيان : (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) : هذا عام في الكفار كلهم. وقوله : (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) إن كان عامّا فكرر هذا على سبيل التوكيد ، وإن كان خاصّا بالمنافقين أو المرتدين أو كفار قريش ، فيكون ليس تكريرا على سبيل التأكيد ، بل حكم على العام بأنهم لن يضروا الله شيئا ، ويندرج في ذلك الخاص أيضا ، فيكون الحكم في حقهم على سبيل التأكيد ، ويكون