الوحي كتابا ، فقال : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ)(١) ، ومعلوم أن المنزل لم يكن وقت الإنزال مكتوبا ، قال : وعلى هذا معنى قوله : تعالى (كِراماً كاتِبِينَ)(٢) أي حافظين ، وقال : (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ)(٣) ، قال : وعلى هذا قول الشاعر :
صحائف عندي للعتاب طويتها |
|
ستنشر يوما والعتاب يطول (٤) |
وهذا القول وإن كان له مساغ في مجاز اللغة ، فأهل الأثر (٥) على الوجه الأول (٦) ، والله أعلم بحقائق أحوال القيامة ، ومعنى
__________________
(١) سورة الأنعام ، الآية : ١٥٥.
(٢) سورة الانفطار ، الآية : ١١.
(٣) سورة عبس ، الآية : ١٥.
(٤) البيت للعباس بن الأحنف. انظر : ديوانه ص (٢٥٠) ، وينسب ليزيد بن الطثرية برواية (طويل) بدل (يطول). انظر : ديوانه ص (٩٨).
(٥) أهل الأثر : هم أهل الحديث ، قال عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية : ونحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه أو كتابته أو روايته ، بل نعني بهم : كل من كان أحق بحفظه ومعرفته وفهمه ظاهرا وباطنا ، واتباعه باطنا وظاهرا. مجموع الفتاوى (٤ / ٩١).
(٦) وهو الصواب الذي لا شك فيه ، فالكتابة من مراتب القدر التي يجب الإيمان بها ، قال الطحاوي : «ونؤمن باللوح والقلم ، وبجميع ما فيه قد رقم». وقد قسّم شارح الطحاوية الأقلام إلى أربعة أقلام ، فذكر القلم الرابع وهو الموضوع على العبد عند بلوغه ، الذي بأيدي الكرام