أوجه : أحدها : إذا جنى على نفسه جناية لا يتخطاها. والثاني : إذا ظلم ذويه الذين هم بمنزلة نفسه ، وعلى نحو ذلك قال الشاعر فيمن ظلم ذويه :
وما كنت إلا مثل قاطع كفّه |
|
بكفّ له أخرى فأصبح أجذما (١) |
وعلى هذا الوجه قد يقال ذلك فيمن ظلم واحدا من كافة الناس ، إذا كان الناس كنفس واحدة وآحادهم كأعضائها. والثالث : أن ظلم الإنسان غيره لما كان وباله راجعا إليه ، يقال فيمن ظلم غيره : قد ظلم نفسه (٢) ، وعامة ما ذكر تعالى : ظلموا أنفسهم. ذكره مقرونا بنفي ظلمه تعالى إياهم ، نحو : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(٣) ، وقد ذكر حيث نهى عن ظلم الغير تنبيها على المعنى المتقدم ، نحو قوله : (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا)(٤) ، ثم قال : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ
__________________
(١) البيت للمتلمس البكرى. انظر : الحماسة البصرية (١ / ١٣٧).
(٢) قسّم الراغب الظلم في المفردات إلى ثلاثة أنواع : «الأول : ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى ، وأعظمه الكفر والشرك والنفاق. الثاني : ظلم بينه وبين الناس. الثالث : ظلم بينه وبين نفسه. ثم قال : وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس ، فإن الإنسان أول ما يهمّ بالظلم فقد ظلم نفسه ...» المفردات ص (٥٣٧ ، ٥٣٨).
(٣) سورة يونس ، الآية : ٤٤.
(٤) سورة البقرة ، الآية : ٢٣١.