فهو أسهل ممن تركه للضلال ، وكذا ما بعده (١) ، وكأنه قال : إنهم أرادوا أن يجوروا جورا عظيما ، ليكونوا أبعد من الرشاد ، والإشارة بالمعنى إلى نحو قوله تعالى : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً)(٢) ، وعلى ذلك قوله : (وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ)(٣)
فإن قيل : فهلا خصّ الميل ليزيل الإشكال ، إذ الميل تارة إلى الحق وتارة إلى الباطل؟ قيل : لما كانت العدالة وسطا وكان أطرافها كلها جورا ، ولذلك سميت وسطا ، وسواء ، وعدلا ، وصراطا مستقيما ، نبّه بإطلاق لفظ الميل : أن الكفار يريدون منكم الميل عن العدالة على أي وجه كان ، إفراطا كان أو تفريطا ، وكل ذلك ضلال ، ولهذا وصّى الله تعالى بقوله : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ)(٤).
قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ)(٥) الآية. قوله : (يُرِيدُ
__________________
(١) ذكر أبو حيان نحوا من هذا الكلام في البحر المحيط (٣ / ٢٣٦) ، ولم ينسبه للراغب.
(٢) سورة النساء ، الآية : ٨٩.
(٣) سورة النساء ، الآية : ٤٤.
(٤) سورة الأنعام ، الآية : ١٥٣.
(٥) سورة النساء ، الآية : ٢٨ ، ونصّها : (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً).