لما جعلهم أحياء عند ربهم سمّوا شهداء ، وأصل ذلك أن غاية ما يستحقه الإنسان في الآخرة القرب من الله ، وكونه عنده ، ولما وعد الله القتيل في سبيله بذلك سمي شهيدا ، ونبّه تعالى بالآية أنه غير إنصاف لمن ساوى العدو في المغالبة الدنيوية أن يحزن ، فكيف بمن كان غالبا ، وبين بقوله : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها)(١) أن من حق العاقل أن لا يبالي بما يفوته مالا كان أو جاها أو قهرا ، فإن الله جعل بنية الدنيا على أن تكون أعراضها دولا بين أخيارهم وأشرارهم ، وليصبر الأخيار فيما يصيبهم من المحن ، ويشكروا ما ينيلهم من المنح ، فيصلوا بذلك إلى ثوابه (٢) ، وعلى ذلك (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ)(٣) إن قيل : هل يصح أن تكون الدولة (٤) للكافرين على المؤمنين؟ قيل : يجوز ذلك إذا كانت الدولة من الحظوظ الدنيوية ، التي قد يعطى الكافر منها أكثر مما يعطى المؤمنون (٥) ، قال قتادة : ولو لا الدولة ما أو ذي المؤمنون ،
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٤٠.
(٢) انظر : تفسير القرآن للسمعاني (١ / ٣٦١) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٢٤٣) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٢٦٥) ، والبحر المحيط (٣ / ٦٨) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٣٨٦).
(٣) سورة محمد ، الآية : ٣١.
(٤) قال القرطبي : والدولة : الكرّة. الجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢١٨).
(٥) قال الزجاج : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) أي نجعل الدولة في