عيّاش عن سليم بن قيس الهلالي عن الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام قال : «والنفاق على أربع دعائم : على الهوى ، والهوينا ، والحفيظة ، والطمع (١).
فالهوى على أربع شعب : على البغي ، والعدوان ، والشهوة ، والطغيان ، فمن بغى كثرت غوائله وتخلّى منه وقصر عليه ، ومن اعتدى لم يؤمن بوائقه ولم يسلم قلبه ولم يملك نفسه عن الشهوات ومن لم يعدل نفسه في الشهوات خاض في الخبيثات ومن طغى ضلّ على عمد بلا حجّة.
والهوينا على أربع شعب : على الغرّة ، والأمل ، والهيبة ، والمماطلة ، وذلك بأنّ الهيبة تردّ عن الحقّ ، والمماطلة تفرّط في العمل حتّى يقدم عليه الأجل ، ولو لا الأمل علم الإنسان حسب ما هو فيه ، ولو علم حسب ما هو فيه مات خفاتا من الهول والوجل ، والغرّة تقصّر بالمرء عن العمل.
والحفيظة على أربع شعب : على الكبر والفخر والحميّة (٢) والعصبيّة ، فمن استكبر أدبر عن الحقّ ومن فخر فجر ومن حمي أصرّ على الذّنوب ومن أخذته العصبيّة جار ، فبئس الأمر أمر بين إدبار وفجور وإصرار وجور على الصراط.
والطمع على أربع شعب : الفرح ، والمرح ، واللّجاجة ، والتّكاثر ، فالفرح مكروه عند الله ، والمرح خيلاء ، واللّجاجة بلاء لمن اضطرّته إلى حمل الآثام ، والتكاثر لهو ولعب وشغل واستبدال الّذي هو أدنى بالّذي هو خير.
فذلك النفاق ودعائمه وشعبه. والله قاهر فوق عباده تعالى ذكره وجلّ وجهه وأحسن كلّ شيء خلقه وانبسطت يداه ووسعت كلّ شيء رحمته وظهر أمره وأشرق نوره وفاضت بركته واستضاءت حكمته وهيمن كتابه وفلجت حجّته وخلص دينه واستظهر سلطانه وحقّت كلمته وأقسطت موازينه وبلّغت رسله ، فجعل السيّئة ذنبا والذّنب فتنة والفتنة دنسا وجعل الحسنى عتبى والعتبى توبة
__________________
(١) الهوينا تصغير الهونى ، تأنيت الأهون وهو من الهون : الرّفق واللين والتثبّت والمراد هنا : التهاون في أمر الدّين وترك الاهتمام فيه ، والحفيظة : الغضب والحميّة.
(٢) قال الراغب : عبّر عن القوّة الغضبيّة إذا ثارت وكثرت بالحميّة فقيل : حميت على فلان : أي غضبت عليه ، قال تعالى : (حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ). الفتح ٤٨ : ٢٦. والعصبة : الأقارب من جهة الأب والعصبيّة حمايتهم والدفع عنهم ، والتعصّب المحاماة والمدافعة وهي والحميّة من توابع الكبر وكان الفرق بينهما بأنّ الحميّة للنفس والعصبيّة للأقارب أو الحميّة للأهل والعصبيّة للأقارب.