ونزلت خلالها سور وآيات ، تراها على طولها منتظمة على أسلوب رتيب : مقدمة لا بدّ منها ـ في عشرين آية ـ ثمّ دعوة ـ في قريب من مائة وعشرين آية ـ وبعده تشريع ـ في قريب من مائة وأربعين آية ـ وختام في ثلاث آيات وبذلك تكتمل السورة على أحسن انسجام.
أمّا المقدمة ففي بيان طوائف الناس ومواقفهم تجاه دعوة الأنبياء ، فمن متعهّد يخضع للحقّ الصريح ، أو معاند يجحد بآيات الله ، أو منافق مراوغ يحاول الخداع والالتواء اللئيم.
أمّا الشك والارتياب عن سلامة قصد ، فهذا ينفيه القرآن الكريم ، ولا مجال له بعد وضوح دلائل الحقّ ووفور آياته. (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ)(١).
وبعد ذلك يأتي دور الدعوة ، بتوجيه نداء عامّ إلى الملأ من الناس كافّة (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ...)(٢) ودعمها بدلائل وبراهين وشواهد من سابق حياة الإنسان ، ولا سيّما دور بني اسرائيل وسوء تصرّفهم في الحياة الدينيّة ، بما أورثهم العار والشنار وتلك هي الأمّة الوحيدة الّتي تعرفها العرب ولهم معها نسب قريب.
ثمّ يأتي دور التشريع (٣) ويتقدّمه الحديث عن الكعبة وتشريفها ، وبيان النسخ في الشرائع ، فيبتدئ بقضيّة تحويل القبلة ، وتشريع الحجّ والجهاد والقتال في سبيل الله ، والصوم والزكاة والاعتكاف ، والنكاح والطلاق والعدد ، والمحيض والرضاع والأيمان ، والوصيّة والدّين والرّبا ، والتجارة الحاضرة (٤).
ثمّ ختام في ثلاث آيات ، وبذلك تنتهي السورة في انسجام ووئام بديع.
هذه هي الصبغة العامّة للسورة ، وفي ضمنها الاستطراق إلى عدّة مواضيع بالمناسبة ، كما هي طريقة القرآن في جمعه لشتات الأمور ، ولكن في وحدة موضوعيّة شاملة.
وفي ختام السورة جاء الحديث عن ملكوت السماوات والأرض ، وعلمه تعالى بما في الصّدور ، فيحاسب عباده على مدى نيّاتهم في مزاولة الأمور. والحديث عن إيمان الرسول بما أنزل عليه ، والمؤمنون على أثره ، وأن لا تكليف بغير المستطاع ، ولا بدّ من الاستغفار على التفريط في
__________________
(١) تنتهي المقدمة بالآية رقم ٢٠.
(٢) تبتدئ الدعوة بالآية رقم ٢١ وتنتهي برقم ١٤١.
(٣) من الآية رقم : ١٤٢.
(٤) وتنتهي بالآية رقم : ٢٨٣.