جنب الله ، وطلب رضوانه وابتغاء فضله ورحمته. وبذلك ينتهي المطاف.
ولعلّك تأمّلت المناسبة الظاهرة بعد ذلك التفصيل بين دلائل الدعوة ومعالم التشريع.
وقد جهد الإمام الرّازي في تبيين النظم القائم بين هذه الآيات الثلاث بالذات وما سبقتها من دلائل التوحيد وتشريع الأحكام ، وذكر في ذلك وجوها لا بأس بها وعقّبها بقوله :
ومن تأمّل في لطائف نظم هذه السورة وفي بدائع ترتيبها ، علم أنّ القرآن كما أنّه معجز بحسب فصاحة ألفاظه وشرف معانيه ، فهو أيضا معجز بحسب ترتيبه ونظم آياته. ولعلّ الّذين قالوا : إنّه معجز بحسب أسلوبه أرادوا ذلك ، إلّا أنّي رأيت جمهور المفسّرين معرضين عن هذه اللطائف ، غير منتبهين لهذه الأمور. ثمّ تمثّل بقول الشاعر :
والنجم تستصغر الأبصار رؤيته |
|
والذنب للطرف لا للنجم في الصغر (١) |
* * *
ولسيّد قطب وصف دقيق عن هدف السورة ومحتواها الشامل لكلا جانبي تبليغ الدعوة ومكافحة الخصوم. قال : هذه السورة تضمّ عدّة موضوعات ، ولكن المحور الّذي يجمعها كلّها محور واحد مزدوج يترابط الخطّان الرئيسيّان فيه ترابطا شديدا. فهي من ناحية تدور حول موقف بني إسرائيل من الدعوة الإسلامية في المدينة ، واستقبالهم لها ، ومواجهتهم لرسولها صلىاللهعليهوآلهوسلم وللجماعة المسلمة الناشئة على أساسها. وسائر ما يتعلّق بهذا الموقف ، بما فيه تلك العلاقة القويّة بين اليهود والمنافقين من جهة ، وبين اليهود والمشركين من جهة أخرى. وهي من الناحية الأخرى تدور حول موقف الجماعة المسلمة في أوّل نشأتها ، وإعدادها لحمل أمانة الدعوة والخلافة في الأرض. بعد أن تعلن السورة نكول بني إسرائيل عن حملها ، ونقضهم لعهد الله بخصوصها ، وتجريدهم من شرف الانتساب الحقيقي لإبراهيم عليهالسلام صاحب الحنيفيّة الأولى ، وتبصير الجماعة المسلمة وتحذيرها من العثرات الّتي سبّبت تجريد بني إسرائيل من هذا الشرف العظيم. وكلّ موضوعات السورة تدور حول هذا المحور المزدوج بخطّيه الرئيسيّين.
__________________
(١) التفسير الكبير ٧ : ١٢٧.