ولكي يتّضح مدى الارتباط بين محور السورة وموضوعاتها من جهة ، وبين خطّ سير الدعوة أوّل العهد بالمدينة ، وحياة الجماعة المسلمة وملابساتها من الجهة الأخرى ، أخذ يشرح من تلك الملابسات ما يرتبط ومواجهة نزول آيات السورة ابتداء ، مع التنبيه الدائم إلى أنّ هذه الملابسات في عمومها هي الملابسات الّتي ظلّت الدعوة الإسلاميّة وأصحابها يواجهونها ـ مع اختلاف يسير ـ على مرّ العصور وكرّ الدهور ، من أعدائها وأوليائها على السواء. ممّا يجعل هذه التوجيهات القرآنيّة هي دستور هذه الدعوة الخالد ، ويبثّ في هذه النصوص حياة تتجدّد لمواجهة كلّ دور وكلّ طور ، ويرفعها معالم للطريق أمام الأمّة المسلمة تهتدي بها في طريقها الطويل الشاقّ ، بين العداوات المتعدّدة المظاهر المتوحّدة الطبيعة. وهذا هو الإعجاز يتبدّى جانب من جوانبه في هذه السمة الثابتة المميّزة في كلّ نصّ قرآني! وأخذ يصف موقف الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل الهجرة ومحاولاته في بناء الجماعة المسلمة ذات الترابط الحكيم. ثمّ هجرته إلى المدينة وتأسيسه لحكم إسلامي قويّ الشوكة رهيب. وتلك معاهداته مع قبائل العرب واليهود على سواء. وأخيرا يقول :
من أولئك السابقين من المهاجرين والأنصار تكوّنت طبقة ممتازة من المسلمين نوّه القرآن بها في مواضع كثيرة. وهنا نجد السورة تفتتح بتقرير مقوّمات الإيمان ، وهي تمثّل صفة المؤمنين الصادقين إطلاقا. ولكنّها أوّلا تصف ذلك الفريق من المسلمين الّذي كان قائما بالمدينة حينذاك.
ثمّ نجد بعدها مباشرة في السياق وصفا للكفّار ؛ وهو يمثّل مقوّمات الكفر على الإطلاق. ولكنّه أوّلا وصف مباشر للكفّار الّذين كانت الدعوة تواجههم حينذاك ، سواء في مكّة أو فيما حول المدينة ذاتها من طوائف الكفّار.
كذلك كانت هناك طائفة المنافقين. ووجود هذه الطائفة نشأ مباشرة من الأوضاع الّتي أنشأتها الهجرة النبويّة إلى المدينة في ظروفها التي تمّت فيها ، ولم يكن لها وجود بمكّة. فالإسلام في مكة لم تكن له دولة ولم تكن له قوّة ، بل لم تكن له عصبة يخشاها أهل مكّة فينافقونها ، على الضدّ من ذلك كان الإسلام مضطهدا ، وكانت الدعوة مطاردة ، وكان الّذين يغامرون بالانضمام إلى الصفّ الإسلامي هم المخلصون في عقيدتهم ، الذين يؤثرونها على كلّ شيء ويحتملون في سبيلها كلّ شيء. فأمّا في يثرب الّتي أصبحت منذ اليوم تعرف باسم المدينة ـ أي مدينة الرسول ـ فقد أصبح