يقول : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) قال : منتن ، ثمّ قال للملائكة : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ. فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ)(١) فخلقه الله بيديه لكيلا يتكبّر إبليس عليه ليقول له : تتكبّر عمّا عملت بيديّ ولم أتكبّر أنا عنه؟ فخلقه بشرا ، فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة. فمرّت به الملائكة ففزعوا منه لمّا رأوه ، وكان أشدّهم منه فزعا إبليس ، فكان يمرّ فيضربه ، فيصوّت الجسد كما يصوّت الفخار وتكون له صلصلة ، فذلك حين يقول : (مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ)(٢) ويقول لأمر ما خلقت! ودخل فيه فخرج من دبره ، فقال للملائكة : لا ترهبوا من هذا ، فإنّ ربّكم صمد (٣) وهذا أجوف ، لئن سلّطت عليه لأهلكنّه! فلمّا بلغ الحين الّذي يريد الله ـ جلّ ثناؤه ـ أن ينفخ فيه الروح ، قال للملائكة : إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له! فلمّا نفخ فيه الرّوح ، فدخل الرّوح في رأسه عطس ، فقالت له الملائكة : قل : الحمد لله! فقال : الحمد لله ، فقال له الله : رحمك ربّك! فلمّا دخل الروح في عينيه ، نظر إلى ثمار الجنّة ، فلمّا دخل في جوفه اشتهى الطعام ، فوثب قبل أن تبلغ الرّوح رجليه عجلان إلى ثمار الجنّة ، فذلك حين يقول : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ)(٤) فسجد الملائكة كلّهم أجمعون إلّا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين ـ أي استكبر وكان من الكافرين ـ قال الله له : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) إذ أمرتك (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) قال أنا خير منه لم أكن لأسجد لبشر خلقته من طين ، قال الله له : اخرج منها (فَما يَكُونُ لَكَ) يعني ما ينبغي لك (أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ)(٥) والصغار هو الذلّ. قال : وعلّم آدم الأسماء كلّها ، ثمّ عرض الخلق على الملائكة فقال : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أنّ بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء ، فقالوا له : (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قالَ) الله : (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) قال : قولهم : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) فهذا الّذي أبدوا ، وأعلم ما كنتم تكتمون ، يعني ما أسرّ إبليس في نفسه من الكبر (٦).
__________________
(١) سورة ص ٣٨ : ٧١ ـ ٧٢.
(٢) الرحمان ٥٥ : ١٤.
(٣) الصمد : المصمت الّذي لا جوف له.
(٤) الأنبياء ٢١ : ٣٧.
(٥) الأعراف ٧ : ١٣.
(٦) الطبري ١ : ٢٩٢ ـ ٢٩٤ / ٥١٠.