لدولته وسلطانه ، اقتضى نظر مولانا السديد ، ورأيه الموفق الرشيد ، أن يرسل لهؤلاء الأجناس ـ الذين وفدوا على حضرته الشريفة ـ سفيرا من خاصة خدامه المقربين ، وخدام أسلافه المقدسين المنعمين ، ويتوجه معه إليهم كاتب وأمين ، ونفر من جيشه السعيد من ذوي الوجاهة والتمكين ، ليجازي أولئك الأجناس على ما صدر منهم من الاعتناء بجانبه العالي بالله ، كما هي العادة في ذلك وسعيا في طاعة مولانا ، وليشرح هذا السفير لعظمائهم حال بعض نوابهم من نقض بعض العهود ، ورفض بعض الشروط (١) التي أسست على السنن المعهود ، فوقع اختياره أعزه الله على خديمه الأنصح ، وخديم أسلافه الأنجح الأملح الفقيه النزيه الذكي النبيه ، السيد الحاج محمد بن المرحوم السيد الطاهر الزبدي الرباطي أصلا ، خديم أعتابه الشريفة وأعتاب أسلافه الكرام ، ثبت الله قدمه على تلك الخدمة الشريفة من غير انصرام ، ولشهرته استغنيت به عن التعريف ، إذ التعريف به مع جليل مرتبته قد يكون فيه تحريف أو تعنيف ، وعينه ـ أعزه الله ـ لأن يوجهه إليهم باشدورا (٢) وسفيرا ، ويحمله أسرارا (٣) إليهم ويكون في ذلك معينا وظهيرا لما تحقق لديه ـ أيده الله ـ من أهليته لذلك ، وتقديمه على غيره في هذا الباب ممن هنالك ، وفوض إليه ـ أعزه الله ـ أن يعين كاتبا من خدامه أهل سلا ، وأمينا من رباط الفتح من أهل المروءة واليقظة والعلا. ثم إن هذا الباشدور تفاوض ـ كما قيل ـ مع بعض أعيان أهل الرباط ، وكان ممن / لهم في جنابنا محبة واغتباط ، في شأن هذا الكاتب الذي يقوم بتلك الكلفة ، ويراعي حقوق المعاشرة والألفة ، فأشاروا عليه بصاحب هذا التقييد ، وبالغوا في إطرائه بما
__________________
(١) تصاعد تنافس النواب الأجانب بالمغرب في منح الحماية القنصلية بطرق غير مشروعة ، وبالتالي خلطوا بين سياسات حكوماتهم وبين مصالحهم الخاصة وجمعوا بينهما فصاروا يتجرون في الحماية علانية مخالفين بذلك نصوص المعاهدات والاتفاقيات التي تربطهم بالمخزن المغربي.
(٢) كلمة إسبانية معناها سفير وهي تكتب Embajador وتنطق اليوم في لغتهم امباخضور.
(٣) الرحلات السفارية لا تحتوي على معلومات صريحة عن موضوع السفارة وأسبابها ، لأنها تعتبر ذلك من قبيل أسرار الدولة ، التي لا تذاع على الجمهور في حياة المؤلف ، وإنما تؤخذ المعلومات عن العلائق الدبلوماسية من الوثائق والمذكرات الرسمية المتبادلة بين رؤساء الدول والوزراء والسفراء ..