منتخبة بفاس / ، له ولمن معه من الناس ، وأنها تدفع بطنجة لأصحابها ، للتجمل بها في ذهابها وإيابها ، فتلقيت منه ذلك الزاد ، بالشكر والثناء كما هو المعتاد ، بعد ما أطال معنا في ذلك الكلام ، بما يسرنا وانصرفنا بسلام.
وأما الأمين الذي ارتضاه لهذه المرتبة ، واصطفاه بهذه القربة ، فهو التاجر الصادق الحازم الضابط الفائق ، الذي فاق في باب التجارة كل من يدعيها ، وسلم له تلك الخاصية كل من يزعم أنه يحيط بها ويعيها ، كيف لا وقد ظهرت عليه أمارات ذلك وهو شاب غلام ، وهذا الطالب (١) النجيب السيد بناصر غنام ، فلمعمري أن هذا الباشدور قد سقط على الخبير ، وأنه بحاله خبير بصير ، ولقد أسكن الدار بانيها ، ومكن القوس لباريها ، ثم لما شاع هذا الخبر في البلدان ، وتواتر حتى لدى الولدان ، وسمع به بعض علماء بلدتنا ، الغائبين عن حضرتنا ، وكان من خاصة أهل محبتنا ، علامة الزمان ، الأديب الفرد في هذا الأوان ، قرة ناظري ، وإنسان باصري ، المشارك المتفنن سيدي أحمد الناصري (٢) أحمد الله عاقبتي وعاقبته ، وجعلني وإياه ممن يخشاه ويراعي مراقبته ، اقترح علي أن أجعل رحلة في سفري وتستغرق نهاري وسهري ، تكون جامعة لكل خبر غريب ، ولما نراه في تلك الأوطان من كل أمر عجيب ، إلى غير ذلك مما لا يخطر بالضمير حتى تكون قائمة مقام الأنيس السمير /. فكتبت له مجيبا ، إني ليست راكبا في هذا المجال حمارا ولا نجيبا ، فكيف يا سيدي تلقيني في هذه الوحلة وتقترح علي تلك الرحلة ، وإني ذو باع
__________________
(١) أصلها طالب العلم ، وتعني المثقف أو العارف بالقراءة والكتابة كان ينعت بها الموظفون المخزنيون أما الوزراء والسفراء فيطلق على الواحد منهم الفقيه.
(٢) المؤرخ أحمد بن خالد الناصري السلاوي سني الطريقة ، شديد الإنكار على أهل البدع مندد بالطوائف وأرباب الأهواء ، من آرائه الرجوع إلى كتب السلف المدونة أيام ازدهار العلوم وإحياء ما اندثر منها كالطب والفلسفة والتاريخ وما إليها ، تنقل في عدة وظائف بأنحاء المغرب ، كان يتراسل أثناءها مع الكاتب إدريس الجعيدي السلاوي ، وتوجد مقدمة رحلة الجعيدي ضمن مخطوطات الخزانة الناصرية حسب فهرس الخزانة المذكورة تحت رقم ١٩١ ، وقد وجه له الجعيدي رسالة أخرى حول فن الموسقى «الاستقصا» ، م. س ، ١ : ٣٢.