قصير ، ولست أعد من أصحاب هذا الشأن في عير ولا نفير.
لكن سأجعل بحول الله تقييدا ، يكون في بابه مفيدا ، يشتمل على ما يستغرب من الأخبار ، وتميل النفس إليه من عجائب تلك الأمصار ، وأجبته بمضمن ذلك تسلية لخاطره ، من باب الوعد الذي لا يجب الوفاء به ، لاعتقادي أني لا قدرة لي على ذلك التكليف ، ولقصوري عن رتبة التصنيف ، وبمثله اقترحه علينا ونحن بطنجة الأمين الأخير ، الصادق الأطهر ، الجامع لأنواع الفضائل والفواضل في كل مقام ، الطالب الأخير السيد عبد القادر غنام (١) ، فذكرني ذلك الوعد ، وكنت معه ساهيا وكاد يكون عندي نسيا منسيا ، وكتب كذلك الآخر يذكرني خوف النسيان ، ويتعاهدني في شأنه بعض الأحيان ، فتبين أن لا بد من المساعدة ، وأن لا محيد عن تقييد ما تقتضيه المشاهدة إذ ذاك أولى من أن أولي الأدبار ، أو أعتذر أني لست من أولائك الأحبار ، فشرعت إذ ذاك في هذا العمل ، طالبا من الله الإعانة على بلوغ المنى وحصول الأمل ، وجعلت أقيد ما أراه على سبيل العيان ، وأدع ما ضاع الوقت عن تقييده في بعض الأزمان (٢) ، وهكذا دأبي حالتي الإقامة والظعن ، مساعدا لطالبه ومستقلا من شتم وطعن ، ودمت على ذلك في مدن الروم وأمصارها حتى / استحسن ذلك الحال الحذاق (٣) من الدول وأعيان أنصارها ، فجاء تقييدا شاملا لكل غريبة أدناها وأقصاها ، لا يغادر كبيرة أو صغيرة إلا أحصاها ، وسميته إتحاف الأخيار
__________________
(١) عبد القادر غنام الرباطي ، عينه السلطان الحسن الأول أمينا بفاس بعد إبعاد الأمين محمد بن المدني بنيس سنة ١٢٩١ ه / ١٨٧٤ م ، ثم كلف بتسجيل المدخولات بالعدوتين صحبة الأمين محمد مخا التازي سنة ١٢٩٣ ه ، ثم انتقل للعمل بطنجة حيث التقى بالجعيدي وذكره بضرورة تسجيل تفاصيل رحلته السفارية ، توفي الأمين عبد القادر غنام عام ١٣١٣ ه. (انظر جواب رسالة التعزية لمحمد بركاش التي توجد بالمكتبة العامة بتطوان ، رسائل وزارية ، محفظة رقم ٣٣).
(٢) ستأتي في ما بعد أمثلة لبعض ما أغفله الجعيدي في رحلته ، وأثبتته مصادر أخرى.
(٣) أثار الجعيدي بفضوله وشغفه في تسجيل كل ما يثير انتباهه بالبلاد الأوربية ، انتباه الأجانب واستحسانهم لعمله هذا ، فعملوا على مساعدته على فهم وإدراك بعض الأنظمة والمستحدثات لينقل تلك المعلومات في رحلته.