الصغر حيث يعتاد ذلك ويصير ذلك لمتعاطيه طبيعة وعادة. نعم ، لو كان كل فرد منهم كبيرا وصغيرا يفعلون ذلك لكانت لهم به مزية وخصوصية ، ولكنه في أفراد نادرة قليلة جدا. كما يوجد عندنا في بعض الأفراد الذين يركبون الخيل ، فإنهم يقفون عليها ويلتفتون إلى الوراء يخرجون البارود ، ومنهم من يدور على بطن الفرس ، ومنهم من يرفع / ١٤٧ / شيئا من الأرض توضع له ، كالعمامة توضع له على الأرض ممتدة على طولها ، فيأخذها من طرفيها معا إلى غير ذلك من الأعمال التي يتعجب منها. ولا يأخذون عن ذلك أجرة ، ولا لهم عنه وظيف (١) ، بخلاف هؤلاء فإن لهم فيه تجارة كبيرة وصائرا عظيما. ولو كان الفرسان المسلمين (٢) جعل عن ذلك لشوهد منهم العجب الكبير ، ولكن الشجاعة الغريزية هي التي تحمل بعضهم على استعمال ذلك. وهذه الرياضة الموصلة إلى هذه الخفة علق بذهني أن ابن خلدون تكلم عليها في المقدمة ، وأنها من قبيل المدارك التي يدركها الإنسان بالتدريج والرياضة (٣) ، حتى إن بعض أصحاب الرياضة من ذلك يمشون على الحبل الرقيق المنصوب في الهواء ، ولا يخشى سقوطا ، كأنه يمشي على الأرض ، وتنفى عنه مادة وهم السقوط ، فلا يبقى بخياله شيء من توهّم السقوط ، ذكر ذلك ـ والله أعلم ـ في الكلام على الوهم وأثره في الإنسان ، فراجعه إن شئت (٤) ، ومنهم رجال يقف بعضهم فوق بعض ، وينقلبون إلى وراء وأمام ، كما يفعله بقربنا أولاد سيدي / ١٤٨ / أحمد وموسى
__________________
(١) يركز الجعيدي على أهمية الاختصاص والاحتراف بدل الهواية.
(٢) في الهامش طرة من إنشاء نجله عبد القادر الجعيدي «قد حضر بمكة المشرفة أيام الحج عام ١١٩٤ ه من فعل ذلك بفناء دار الأمير الشريف عبد الله بمرأى من الوفود وجعل يمشي تارة على الخيل وتارة يرقص فوقه».
(٣) حسب نظر المؤرخ ابن خلدون أن المعارف النفسانية مصدرها الوحي الذي يلقى في صنف خاص من البشر وهم الأنبياء والرسل ، وهناك معارف نفسانية كذلك مصدرها الرياضة والاكتساب لا الوحي ، أي معارف مكتسبة.(إبستيمولوجيا المعقول واللامعقول ، محمد عابد الجابري ، أعمال ندوة ابن خلدون ، ١٩٧٩ : ٧٣).
(٤) «... في أصناف المدركين للغيب من البشر بالفطرة أو الرياضة ...». المقدمة ، الفصل ٦ الباب ١.