لا يقال (١) : الأمر وإن كان كما ذكر إلّا إنه (٢) حيث كان التفاوت بين الإيجاب والاستحباب وهكذا (٣) ، بين الكراهة والحرمة ليس إلّا بشدة الطلب بينهما وضعفه (٤) ؛ كان (٥) تبدل أحدهما بالآخر مع عدم تخلل العدم غير موجب لتعدد
______________________________________________________
(١) غرض المستشكل : إيراد إشكال صغروي لا كبروي ، توضيحه : أن جريان استصحاب الكلي فيما إذا علم بارتفاع الفرد المعلوم الحدوث وشك في فرد آخر وإن كان صحيحا ؛ لعدم كون الشك في البقاء ، بل في الحدوث ، إلّا إن التمثيل له بالشك في حدوث الاستحباب بعد القطع بارتفاع الوجوب غير سديد ؛ لأن الاستحباب ليس وجودا مغايرا للوجوب حتى يكون الشك فيه شكا في وجود فرد آخر ، لا شكا في بقاء الوجود السابق ، حيث إن الوجوب والاستحباب نظير السواد من الأعراض الخارجية ، فكما لا يكون السواد الضعيف مغايرا للسواد الشديد ؛ بل يعدان موجودا واحدا لا يتفاوتان إلّا بالشدة والضعف ، فكذلك الوجوب والاستحباب ، فإنهما لا يتفاوتان إلّا بشدة الطلب وضعفه ، فإذا ارتفعت شدته وهي الوجوب تبقى مرتبته الضعيفة وهي الاستحباب ، فوجود الاستحباب بعد ارتفاع الوجوب ليس إلّا بقاء لوجود الجامع بينهما وهو الطلب ، فلا مانع من استصحابه.
وعليه : فالقسم الثالث وهو الشك في حدوث فرد مقارنا لارتفاع غيره وإن قلنا بعدم جريان الاستصحاب فيه ؛ إلّا إنه إذا كان من قبيل الوجوب والاستحباب بأن كان المشكوك بقاء من مراتب المعلوم المرتفع صح استصحابه.
قوله : «كما ذكر» في وجه عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث من مغايرة وجود الطبيعي في ضمن الفرد الزائل لوجوده في ضمن الفرد المشكوك الحدوث ، ومع هذه المغايرة لا يكون الشك في بقاء الوجود السابق حتى يجري فيه الاستصحاب ؛ بل يكون الشك في حدوث وجود فرد آخر للطبيعي.
(٢) الضمير للشأن ، هذا بيان الإشكال الصغروي وهو المناقشة في المثال ، وقد تقدم تفصيله آنفا بقولنا : «إلّا إن التمثيل له بالشك في حدوث الاستحباب ...» الخ.
(٣) يعني : وهكذا كان التفاوت بين الكراهة والحرمة بشدة الكراهة في الحرمة وضعفها في الكراهة.
(٤) يعني : ضعف الطلب في الاستحباب وشدته في الوجوب. وضمير «بينهما» راجع إلى الإيجاب والاستحباب.
(٥) جواب «حيث» وغرضه من قوله : «مع عدم تخلل العدم» إثبات أن الشك في