وأما النحو الثاني (١): فهو كالجزئية والشرطية والمانعية لما هو جزء المكلف به وشرطه ومانعة وقاطعه ، وحيث إن اتصاف شيء بجزئية المأمور به أو شرطيته أو غيرهما لا يكاد يكون إلّا بالأمر بجملة أمور مقيدة بأمر وجودي أو عدمي ، ولا يكاد
______________________________________________________
الكلام في سبب المجعول لا الجعل ، ومن المعلوم : عدم ترتب الحكم على موضوعه إلّا بعد وجوده وفعليته ، ويكون تأخره عنه رتبيا لا زمانيا ، وهو بمنزلة المعلول في عدم انفكاكه عن العلة زمانا ، وحينئذ يكون منشأ انتزاع السببية ـ أعني : الحكم ـ مقارنا لوجود الموضوع لا متأخرا عنه حتى يلزم تأخر ما هو المتقدم.
وهنا كلام طويل تركناه رعاية للاختصار.
(١) يعني : ما لا يمكن الجعل فيه إلّا تبعا للحكم التكليفي ، وهو كل ما له دخل في المكلف به ؛ بأن يكون جزءا أو شرطا أو مانعا أو قاطعا له.
وحاصل ما أفاده في هذا القسم هو : أن جزئية شيء للمأمور به وأخواتها لا تنتزع إلّا من أمر يتعلق بأمور متعددة تقوم مصلحة واحدة تدعو الشارع أو غيره ممن بيده الاعتبار إلى إنشاء أمر واحد وحكم فارد بتلك الأمور ، وما لم يتعلق أمر وحداني بها لا يتصف شيء منها بالجزئية للمأمور والمكلف به ، بداهة : أن اتصاف شيء بكونه مأمورا به منوط بتعلق الأمر به ، فاتصاف ما له دخل في متعلق الأمر بالجزئية ونحوها موقوف أيضا على تعلق الأمر بجملة تلك الأمور.
فالمتحصل : أن الجزئية للمأمور به وكذا الشرطية والمانعية والقاطعية له منتزعة عن الأمر المتعلق بعدة أمور متشتتة يجمعها غرض واحد مقيدة بأمر وجودي كالطهارة في الصلاة ، أو عدمي كعدم لبس الحرير وما لا يؤكل فيها.
وعليه : فالقسم الثاني من الأحكام الوضعية لا يكون إلا مجعولا بتبع الحكم التكليفي ، ولا جعل لها بالاستقلال ؛ لأن جزئية السورة مثلا لا تنتزع إلّا عن الأمر المتعلق بجملة أمور ، فبدون هذا الأمر لا تنتزع جزئيتها للمأمور به ، وإن قال الشارع : «جعلت السورة جزءا للصلاة» لما عرفت من توقف جزئية شيء للمأمور به على تعلق الأمر بعدة أمور.
وكيف كان ؛ فالأشياء الأربعة المذكورة في المتن قابلة للجعل تبعا وليست قابلة للجعل استقلالا : وأما أن هذه الأمور قابلة للجعل تبعا فلأنه إذا ورد أمر بجملة أمور تدريجية متصلة مقيدة بوجود شيء وعدم شيء آخر كانت تلك الأمور أجزاء ، وما يقطع هذا الاتصال قاطعا ، وما أخذ وجوده قيدا شرطا ، وما أخذ عدمه قيدا مانعا ، فإذا ورد