الأول (١) : أنه يعتبر في الاستصحاب فعلية الشك واليقين ، فلا استصحاب مع
______________________________________________________
التنبيه الأول : اعتبار فعلية الشك واليقين
(١) الغرض من هذا الأمر الأول : هو بيان اعتبار فعلية اليقين والشك اللذين هما ركنا الاستصحاب ، وعدم كفاية وجودهما التقديري فيه.
فهذا التنبيه متكفل لأصل وهو اعتبار فعلية اليقين والشك ، وفرع وهو الحكم بصحة صلاة من أحدث ثم غفل وصلى وشك بعد الفراغ في أنه تطهر أم لا؟ وذلك لعدم جريان استصحاب الحدث حال الغفلة عنه ؛ لعدم الشك الفعلي ، فيحكم بصحة الصلاة لقاعدة الفراغ.
وكيف كان ؛ فتوضيح ما ذكر في هذا التنبيه ـ من اعتبار فعلية اليقين والشك في الاستصحاب ـ يتوقف على مقدمة ، وهي التنبيه على أمور مسلمة :
أحدهما : أن كل حكم تابع لوجود موضوعه حدوثا وبقاء حتى قيل : «إن فعلية الحكم ـ أي : وجوده ـ بوجود موضوعه» فلا حكم بدونه.
ثانيها : أن الشك واليقين وكذا الظن من الحالات الوجدانية ، والصفات النفسانية التي لا يعقل تحققها للغافل ، بداهة : أن الإنسان في حال الغفلة لا يصدق عليه العالم ولا الظان ولا الشاك ، بل يصدق عليه نقيضها ؛ وإلّا يلزم ارتفاع النقيضين أو اجتماعهما ، ومن المعلوم : أن فعلية هذه الصفات عين وجودها ، وعدم فعليتها عين عدمها.
ثالثها : أن موضوع الأصول العملية ومنها الاستصحاب ـ التي هي أحكام ظاهرية ووظائف للشاك والمتحير في الأحكام الواقعية ـ هو الشك الذي قد عرفت أنه كاليقين والظن من صفات الإنسان الملتفت ، ولذا قيّد الشيخ في أول الرسائل المكلف بالملتفت. ومن هنا يظهر : أن موضوع الحكم الواقعي يخالف موضوع الحكم الظاهري ؛ لعدم تقيّد الأول بالالتفات ، بخلاف الثاني ، فإن قوامه بالالتفات الشكي ، وبدون الشك لا وجود للحكم الظاهري حقيقة.
إذا عرفت هذه الأمور من باب المقدمة يتضح لك من هذه الأمور : وجه اعتبار فعلية الشك واليقين في الاستصحاب كوضوح اعتبار فعلية الشك في سائر الأصول العملية ؛ بل ينبغي عدّه من القضايا التي قياساتها معها.
فالنتيجة : أنه مع الغفلة لا تحير في الحكم الواقعي ؛ لعدم الشك المتقوم بالالتفات ، فلا يجري فيه الاستصحاب الرافع للتحير ، فوجود الشك الفعلي ـ وكذا اليقين ـ مما لا بد منه في جريان الاستصحاب ، ولا عبرة بالتقديري منهما ؛ إذ ليس التقدير إلّا فرض الوجود