.................................................................................................
______________________________________________________
ذلك يتوقف على مقدمة وهي بيان أمرين :
أحدهما : أن في أحكام الشرائع السابقة احتمالات :
الأول : أن يكون حكم من أحكامها مما قام الدليل على بقائه وعدم نسخه.
الثاني : أن يكون مما قام الدليل على نسخه وعدم بقائه في هذه الشريعة.
الثالث : أن يكون مما لا تعرّض له في هذه الشريعة لا نفيا ولا إثباتا.
هذا الأخير هو محل الكلام.
ثانيهما : أن حقيقة النسخ عندنا لما كانت تقييد الحكم زمانا وكان دليل النسخ كاشفا عن انتهاء أمده ، فلا يجري استصحاب عدم النسخ إلّا بعد فرض أمرين ، أحدهما : فقدان الإطلاق الأزماني لدليل الحكم ، ثانيهما : ثبوت الحكم في الشريعة السابقة بنحو القضية الحقيقية لعامة المكلفين ؛ لا لخصوص تلك الملة.
أما الأمر الأول : فلأنه لو كان لدليل الحكم إطلاق أزماني كان هو المرجع عند الشك في النسخ لا الاستصحاب ، لحكومته على الاستصحاب.
وبيانه : أن حكم الشريعة السابقة إما أن يكون وافيا بإثباته لعامة المكلفين في جميع الأزمنة للتصريح بإطلاقه الأزماني ، أو ما هو كالصريح فيه ، وفي مثله لا يحتمل النسخ ، وهذا نظير وجوب أصل الصلاة والصوم ونحوهما من الفرائض وإما أن يكون دليله وافيا بإثباته للعموم إلى الأبد بإطلاقه المستند إلى مقدمات الحكمة ، وفي مثله يحتمل النسخ بالشريعة اللاحقة ، إلّا إن الدافع لاحتمال النسخ هو الإطلاق لا الاستصحاب ، ونسخه منوط بورود الناسخ الذي هو مقيد لإطلاق الخطاب زمانا.
وإما أن يكون متكفلا لثبوت الحكم في تلك الشريعة بنحو الإجمال كبعض الآيات الواردة لبيان أصل تشريع الأحكام بلا نظر خصوصياتها ، كقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)(١) حيث إنها ليست في مقام بيان تمام ما له الدخل في الصوم ، فلو ثبت أصل الحكم في شريعة سابقة وشك في نسخه في الشريعة اللاحقة فيحث إنه لا إطلاق له حتى بمعونة المقدمات كان مورد النزاع في المقام من حيث جريان الاستصحاب فيه وعدمه.
وأما الثاني : ـ أعني : اعتبار أن يكون الحكم ثابتا بنحو القضية الحقيقية ـ فلأنه مع
__________________
(١) البقرة : ١٨٣.