قطعا (١).
إن قلت : كيف هذا (٢) مع الملازمة بين الحكمين؟
قلت : ذلك (٣) لأن الملازمة إنما تكون في مقام الإثبات والاستكشاف لا في مقام
______________________________________________________
(١) قيد ل «لا حكم». يعني : أن حكم العقل مرتفع قطعا عند زوال وصف موضوعه أو قيده ، إما لإحراز دخله بالخصوص في الملاك ، وإما لأن إحراز العقل لوجود الملاك يكون في ظرف وجود ذلك الشيء من باب القدر المتيقن وإن لم يكن دخيلا واقعا في المناط ، بخلاف حكم الشرع ، فإنه لا قطع بعدمه فيجري فيه الاستصحاب ، وضمير «بدونه» راجع على «ما احتمل دخله».
(٢) يعني : كيف هذا أي : التفكيك بين حكمي العقل والشرع بجعل الأول مقطوع الانتفاء عند زوال بعض القيود ، والثاني مشكوك البقاء ومحكوما بالإبقاء تعبدا؟
وحاصل هذا الإشكال : أن الملازمة بين الحكمين تقتضي وحدة موضوعيهما وعدم أوسعية أحدهما من الآخر ؛ إذ المفروض : استكشاف خطاب الشارع من قاعدة الملازمة ، فكما ينتفي حكم العقل بتبدل بعض خصوصيات الموضوع ، فكذلك الحكم الشرعي المستند إليه ، وإجراء الاستصحاب فيه من تسرية حكم موضوع إلى موضوع آخر ، وهو أجنبي عن الاستصحاب المصطلح المتقوم بوحدة القضيتين موضوعا ومحمولا.
(٣) أي : التفكيك ، وهذا الجواب كما يتخلص به عن إشكال التفكيك بين حكمي العقل والشرع كذلك يندفع به الوجه الثاني المتقدم في توضيح كلام الشيخ أعني : انتفاء ركن الاستصحاب وهو الشك في البقاء.
وتوضيح هذا الجواب يتوقف على مقدمة ، وهي بيان أمرين :
الأول : إن للحكم العقلي مرتبتين وهما الشأنية والفعلية ، والمراد بالأولى : هو المناط الواقعي للحكم من المصلحة أو المفسدة الكامنة في الأفعال التي لم يطلع عليها العقل ، وبالثانية : إدراك العقل له فعلا الموجب لتحسين أمر وتقبيح آخر ، وهذا الحكم الفعلي موقوف على لحاظ الموضوع بجميع الخصوصيات المعتبرة فيه ، ومع اختلال بعض الشرائط والقيود الدخيلة في إدراك الحسن والقبح يكون انتفاء ذلك الإدراك قطعيا ، وهذا بخلاف حكمه الشأني ، فإنه حكم تقديري معلق على الإحاطة بالملاكات النفس الأمرية ، وهي قد تختلف مع المناطات المعلومة التي تكون منشأ لإدراكه الفعلي للحسن والقبح.
الثاني : أن الحكم الشرعي المستند إلى الحكم العقلي إنما يتبع حكمه الشأني في مقام