(فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ) واضحات حال (قالُوا ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً) مختلق (وَما سَمِعْنا بِهذا) كائنا (فِي) أيام (آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) (٣٦) (وَقالَ) بواو وبدونها (مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ) أي عالم (بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ) الضمير للرب (وَمَنْ) عطف على من قبلها (تَكُونُ) بالفوقانية والتحتانية (لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة أي هو أنا في الشقين فأنا محق فيما جئت به (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٣٧) الكافرون (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ) فاطبخ لي الآجر (فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً) قصرا عاليا (لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى) أنظر إليه وأقف عليه (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) (٣٨) في ادعائه
____________________________________
مجلس المناجاة ، بل كان في ذلك الوقت بمصر ، لأن الله أرسل جبريل إلى هارون بالرسالة وهو بمصر في ذلك الوقت ، فموسى سمع الخطاب من الله بلا واسطة ، وهارون سمعه بواسطة جبريل.
قوله : (فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا) المراد بها العصا واليد ، وجمعهما لأن كل واحدة اشتملت على آيات متعددة ، وتقدم ذلك في سورة طه. قوله : (قالُوا) أي فرعون وقومه. قوله : (مختلق) أي مخترع من قبل نفسه. قوله : (وَما سَمِعْنا بِهذا) الخ ، هذا محض عناد وكذب ، إذ هم يعرفون أن قبله الرسل ، كإبراهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم. قوله : (بواو وبدونها) أي فهما قراءتان سبعيتان ، فعلى الواو يكون تابعا لما قبله ، وعلى حذفها يكون الكلام مستأنفا في جواب سؤال. قوله : (أي عالم) أشار بذلك إلى أنه لا مفاضلة في أوصاف الله تعالى ، لأن التفاضل من مقتضيات الحدوث وهو مستحيل عليه ، فلا تفاضل بين صفاته مع بعضها ، ولا مع صفات خلقه. قوله : (عطف على من قبلها) أي فهي في محل جر ، والعلم مسلط عليها. قوله : (بالفوقانية والتحتانية) أي فهما قراءتان سبعيتان ، فله خبر (تَكُونُ) مقدم ، و (عاقِبَةُ) اسمها مؤخر على كلا الوجهين ، وذكر الفعل على قراءة التحتانية للفصل ، ولأنه مجازي التأنيث. قوله : (أي العاقبة المحمودة) الخ ، أشار بذلك إلى أن المراد بالدار ، الدار الآخرة ، وأن الإضافة على معنى في ، ويصح أن المراد بالدار دار الدنيا ، والمراد بالعاقبة المحمودة الجنة ، إذ العاقبة قسمان : مذمومة ومحمودة ، فالجنة عاقبة محمودة ، والنار عاقبة مذمومة. قوله : (وهو أنا في الشقين) تفسير للموصول كأنه قال : إن لم تشهدوا لي بالصدق وبأن العاقبة المحمودة لي ، فالله عالم بأني جئت بالهدى ، وبأن العاقبة المحمودة لي. قوله : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) تعليل لقوله : (رَبِّي أَعْلَمُ) الخ.
قوله : (وَقالَ فِرْعَوْنُ) الخ ، أي بعد أن شاهد إيمان السحرة وما وقع منهم. قوله : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) أي ليس لي علم بوجود إله غيري ، وليس مراده بإلهية نفسه ، كونه خالقا للسماوات والأرض وما فيهما ، إذ لا يشك عاقل في أن الله هو الخالق لكل شيء ، وكان اعتقاده أن العالم العلوي أثر في العالم السفلي ، فلا حاجة للصانع. قوله : (عَلَى الطِّينِ) أي بعد اتخاذه لبنا ، وقيل إنه أول من اتخذ الآجر وبنى به ، وهو الذي علم صنعته لهامان ، ولما أمر وزيره هامان ببناء الصرح ، جمع هامان العمال والفعلة ، حتى اجتمع عنده خمسون ألف بناء ، سوى الأتباع والأجراء ، فطبخ الآجر والجبس ، ونشر الخشب ، وسبك المسامير ، فبنوه ورفعوه ، حتى ارتفع ارتفاعا ، لم يبلغه بناء أحد من الخلق ، فلما فرغوا ،