بأنّ المراد معلوم ولا أصل لتعيين كيفيّة الاستعمال بعد معلوميّة المراد أنّها هل تكون على سبيل الحقيقة أو بمعونة القرينة. يمكن دفع المناقشة في مثل قول بريرة : أتأمرني؟ إذ لا يبعد دعوى أنّ المنسبق من مادّة الأمر عند بريرة والنبيّ الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم هو الوجوب. وعليه فهو ممّا يشهد على تبادر الوجوب من مادّة الأمر كما أنّ صحّة الاحتجاج على العبد تكون مبنيّة على التبادر. اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ غايته هو ظهور اللفظ في الوجوب ولعلّه من جهة الانصراف بسبب كثرة الاستعمال فلا يدلّ على التبادر من حاقّ اللفظ فافهم.
ثمّ لا يخفى عليك أنّ بعد كون معنى التبادر هو ظهور المعنى من حاقّ اللفظ لا مجال لدعوى الظهور الانصرافيّ كما لا مجال لظهور الاطلاقيّ ومقدّمات الحكمة أو الظهور العقليّ بمعنى أنّ الوجوب هو إدراك العقل لابدّيّة الخروج عن عهدة الخطاب فيما إذا لم يحرز من الداخل أو من الخارج ما يدلّ على جواز تركه.
وذلك لأنّ الانصراف من جهة كثرة الاستعمال لا من جهة اللفظ فقطّ والظهور الإطلاقيّ من جهة المقدّمات لا من جهة اللفظ فقطّ وإدراك اللابدّيّة العقليّة لا حاجة إليه بعد دلالة اللفظ بنفسه فللمولى أن يحتجّ بنفس اللفظ لا بمقتضى قضيّة العبوديّة والرقّيّة وهو لزوم الخروج عن عهدة الخطاب ما لم ينصب قرينة على الترخيص في تركه.
ففي المقام مع ظهور مادّة الأمر التي تكون في اللغة الفارسيّة بمعنى «فرمان دادن» في الطلب الإلزاميّ لا مجال لتلك الدعاوي إذ الإلزام يكون مستفادا من حاقّ اللفظ لا من جهة كون لفظ الأمر موضوعا لأصل الطلب ولكن لكثرة استعماله في الطلب الإلزاميّ صار ظاهرا في الإلزاميّ ولا من جهة أنّ الطلب الندبيّ يحتاج إلى بيان زائد من الترخيص في الترك وحيث لم يبيّن كان مقتضى مقدّمات الإطلاق هو إرادة الطلب الإلزاميّ ولا من جهة حكم العقل بالتقريب المذكور.