وممّا ذكر يظهر ما في بدائع الأفكار حيث قال : إنّ الأمر في مثل هذه الموارد ليس أمرا في الحقيقة بل هو إنشاء كلام لصورة الأمر إذ هو كما أنّه خال عن الإرادة كذلك خال عن الطلب. انتهى (١)
لما عرفت من أنّ هذا الجواب مبنائيّ هذا مضافا إلى ما فيه من أنّ الطلب أعمّ من الطلب الانشائيّ فصدق الطلب على الإنشائيّ بالحقيقة كصدق الأمر عليه لأنّه إنشاء الطلب الإلزاميّ ولا فرق بين الطلب الانشائيّ أو الأمر الامتحانيّ والاعتذاريّ وبين الطلب الانشائيّ والأمر الحقيقيّ إلّا في الدواعي فإنّ الداعي في الثاني هو الإرادة الحقيقيّة دون الأوّل فإنّ الداعي فيه هو الاختبار والامتحان لا إرادة الفعل بالحقيقة وأمّا الطلب والأمر الإنشائيّ فيهما واحد من دون فرق بينهما كما لا يخفى.
وأجاب في الدرر عن الأشعريّ بأنّ تحقّق صفة الإرادة أو التمنّي أو الترجّي في النفس قد يكون لتحقّق مباديها في متعلّقاتها كمن اعتقد المنفعة في ضرب زيد فتحقّقت في نفسه إرادته أو اعتقد المنفعة في شيء مع الاعتقاد بعدم وقوعه فتحقّقت في نفسه حالة تسمّى بالتمنّي أو اعتقد النفع في شيء مع احتمال وقوعه فتحقّقت في نفسه حالة تسمّى بالترجّي.
وقد يكون تحقّق تلك الصفات في النفس لا من جهة متعلّقاتها بل توجد النفس تلك الصفات من جهة مصلحة في نفسها كما نشاهد ذلك وجدانا في الإرادة التكوينيّة قد توجدها النفس لمنفعة فيها مع القطع بعدم منفعة في متعلّقها ويترتّب عليها الأثر.
مثال ذلك أنّ إتمام الصلاة من المسافر يتوقّف على قصد الإقامة عشرة أيّام في بلد من دون مدخليّة لبقائه في ذلك البلد بذلك المقدار وجودا وعدما ولذا لو بقي في
__________________
(١) بدائع الأفكار للمحقّق العراقيّ ١ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣.