وأمّا الشرائط المتأخّرة فهي معدومة وإنّما توجد بعد وجود المعلول فكما لا مجال لعلّيّة المعدوم بالنسبة إلى المتقدّم كذلك لا يتصوّر إعداد المعدوم بالنسبة إلى الموجود وإلّا لزم تأثير المعدوم في الموجود فهذا الجواب على تقدير صحّته إنّما يفيد بالنسبة إلى الشرائط المتقدّمة دون الشرائط المتأخّرة.
وممّا ذكر يظهر ما في نهاية الاصول أيضا حيث ذهب إلى جواز تقدّم الشرط أو تأخّره زمانا وقال والحاصل إنّ اقتضاء العلّيّة لكون جزء العلّة مقارنا للمعلول بحسب الزمان غير معلوم ومن أين ثبت عدم جواز تقدّمه أو تأخّره. ألا ترى في العلّة الغائيّة أنّها متأخّرة عن معلولها ومع ذلك لم تخرج من كونها علّة.
فإن قلت ليست العلّة الغائيّة بوجودها الخارجيّ علّة بل بوجودها العلميّ ولذا لو تخيّل أحد ترتّب غاية على فعله لأثّر هذا الخيال في صدور الفعل عنه وإن انكشف بعد حصوله أنّ الغاية المتخيّلة لا تترتّب عليه.
قلت : ليس العلم بالغاية بما هو علم بها مؤثّرا في وجود الفعل بل بما هو طريق إليها ومرآة لها.
والشاهد على ذلك أنّ المؤثّر في فعل الحكيم العالم بالعواقب الذي لا يتصوّر في علمه مخالفة الواقع هو نفس الغاية لا علمه بها بما هو علم وصفة كمال لذاته.
والحاصل أنّه قد ظهر لك ممّا ذكرناه عدم ورود إشكال في الشرط المتقدّم أو المتأخّر بحسب الزمان فإنّ الذي يعتبر فيه هو التقدّم الرتبيّ لا غير نعم يعتبر في العلّة التامّة فقط تقارنها مع المعلول زمانا (١). وذلك لما عرفت من أنّ الكلام ليس في الإرادة والأفعال الاختياريّة بل في اتّصاف البعث الحقيقيّ أو المأمور به بعنوان حسن أو بالصحّة أو بالمصلحة وعليه فقياس المقام بالعلل الغائيّة لا مورد له فإنّ العلل
__________________
(١) نهاية الاصول : ج ١ / ١٥٠.