أقرب إلى قبول الطاعة وبعضهم أبعد والتبعيض في خلق المكلّفين مخالف لمقتضى العدل لأنّه تعالى سوّى التوفيق بين الوضيع والشريف مكّن أداء المأمور وسهّل سبيل اجتناب المحظور وخلق بعض الناس من طينة خبيثة إمّا أن يكون ملزما باختيار المعصية جبرا وهو باطل وإمّا أن يكون أقرب إلى قبول المعصية ممّن خلق من طينة طيّبة وهو تبعيض وظلم. وقلنا أنّه مخالف للروايات الآتية في الباب الرابع لأنّها صريحة في أنّ الله تعالى خلق جميع الناس على فطرة التوحيد وليس في أصل خلقهم تشويه وعيب وإنّما العيب عارض وهكذا ما نرى من خلق الله تعالى فإنّه خلق الماء صافيا وإنّما يكدّره الأرض التربة وكذلك الإنسان خلق سالما من الخبائث وأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه وأيضا القرآن يدلّ على أنّ جميع الناس قالوا : «بلى» في جواب (ألست بربّكم؟) فالأصل الذي عليه اعتقادنا أنّ جميع أفراد الناس متساوية في الخلقة بالنسبة إلى قبول الخير والشرّ وإنّما اختلافهم في غير ذلك. فإن دلّت رواية على غير هذا الأصل فهو مطروح أو مأوّل بوجه سواء علمنا وجهه او لم نعلم. (١)
وفيه أنّ الاختلافات الناشئة عن الآباء والامّهات ونحوهما ما لم يوجب الجبر لا تكون منافية لاصول المذهب من عدله تعالى ، خصوصا مع تضاعف الثواب لأحمزيّة الأعمال فإنّه تعالى سوّى لطفه بالنسبة إلى العباد ولكن يمنع عنه الظالمون فالوالد الذي يبعد ولده عن الإسلام والتعليمات الإلهيّة هو المقصّر كما أنّ الوالد الذي يزني ويسرق هو المقصّر في تكوين الولد من الحرام الذي يقتضي فيه بعض الاقتضاءات ولا تكون منافية أيضا مع الأخبار الدالّة على أنّ الله تعالى خلق جميع الناس على فطرة التوحيد فإنّ فطرة كلّ أحد على التوحيد ولا تسلبها الاختلافات
__________________
(١) شرح الكافي للمولى صالح المازندرانيّ ٨ / ٤.