الناشئة المذكورة وإن أوجبت خفائها في بعض الأحيان.
وبالجملة تلك الأخبار لا تنافي اصول المذهب إلّا إذا كان مدلولها أنّ الطينة علّة تامّة بحيث لم يتمكّن من التغيير والتبديل.
فالاختلافات سواء كانت ناشئة عن الآباء والامّهات أو المحيط أو اكتساب نفس الإنسان لا تنافي الاختيار. هذا مضافا إلى احتمالات اخرى في معنى بعض هذه الروايات :
قال سيّدنا الإمام المجاهد قدسسره : إنّ من ينتهي أمره إلى الراحة الدائمة الغير المتناهية واللذّات الغير المنقطعة والعطاء الغير المجذوذ فهو سعيد من أوّل أمره وإن كان في أيّام قلائل لا نسبة بينها وبين الغير المتناهي في تعب وشدّة وكذا في جانب الشقاوة. (١)
فتحصّل أنّ الإنسان متمكّن من الصلاح والفساد في جميع الأحوال فمع تمكّنه لا مجال للجبر. لا يقال إنّ السعادة والشقاوة من الذاتيّات والذاتيّ لا يعلّل.
لأنّا نقول : ليس كذلك لأنّهما أمران يحصلان للإنسان بحسب عمله وكسبه ولا يقاس عنوان السعيد أو الشقيّ بالعناوين الذاتيّة التي لا دخل للعمل فيه كإنسانيّة الإنسان أو حيوانيّة الحيوان.
ولقد أفاد وأجاد سيّدنا الإمام المجاهد قدسسره حيث قال : إنّ السعادة والشقاوة ليستا ذاتيّتين غير معلّلتين لعدم كونهما جزء ذات الإنسان ولا لازم ماهيّته بل هما من الامور الوجوديّة التي تكون معلّلة بل مكسوبة باختيار العبد وإرادته فمبدأ السعادة هو العقائد الحقّة والأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة ومبدأ الشقاوة مقابلاتها ممّا يكون لها في النفس آثار وصور ويرى جزائها وصورها الغيبيّة في عالم الآخرة على ما هو المقرّر في لسان الشرع والكتب العقليّة المعدّة لتفاصيل ذلك.
__________________
(١) رسالة الطلب والإرادة / ١٤٩.