داعيا ولو سلّمنا أنّ المراد من الإمكان في كون التكليف هو ما يمكن أن يكون داعيا هو إمكان الدعوة إلى المكلّف به في حين التكليف لكان التكليف في الواجب المعلّق واجدا لهذا الإمكان أيضا.
وذلك فيما لو كانت له المقدّمات المقوّمة فإنّ وجوب الواجب المعلّق يمكن أن يدعو المكلّف ويحرّكه إلى الإتيان به قبل تحقّق قيده (١).
وربما يجاب عن المقيس بأنّ البعث من الاعتباريّات والإرادة من التكوينيّات فلا يسري أحكام التكوين إلى الاعتباريّات فيجوز البعث نحو أمر متأخّر وإن لم يمكن إرادة أمر استقباليّ وتفصيل ذلك أنّ الإرادة إمّا هي الشوق النفسانيّ ولا إشكال في أنّه كما يتعلّق بأمر حاليّ كذلك يتعلّق بأمر استقباليّ من دون حاجة إلى إقامة برهان لكونه وجدانيّا وهذه الإرادة مهما بلغت ذروتها من القوّة والشدّة لا تكون علّة تامّة لتحريك العضلات نحو الفعل ولا يختلف باختلاف متعلّقه فإنّها عبارة عن الشوق الحاصل في أفق النفس سواء يكون متعلّقه أمرا تكوينيّا أو يكون أمرا تشريعيّا وسواء يكون متعلّقه فعل الإنسان نفسه وسواء يكون متعلّقه فعل غيره وتسمية الأوّل بالإرادة التكوينيّة والثاني بالإرادة التشريعيّة لا تتعدّى عن مجرّد الاصطلاح بلا واقع موضوعيّ لها أصلا وأمّا الإرادة تكون بمعنى الاختيار وإعمال القدرة ولكنّها لا تتعلّق بفعل الغير بل لا تتعلّق بفعل الإنسان نفسه إذا كان في زمن متأخّر فضلا عن فعل غيره ولا تختلف باختلاف متعلّقها فإنّ متعلّقها سواء كان من التشريعيّات أو التكوينيّات فهو واحد حقيقة وذاتا فالإرادة سواء كانت بمعنى الشوق أو بمعنى إعمال القدرة والاختيار تكوينية ولا نعقل للإرادة التشريعيّة معنى محصّلا في مقابل الإرادة التكوينيّة.
__________________
(١) بدائع الافكار : ج ١ ص ٣٥٦.