وأيضا قياس الأمر الاستقباليّ بالطيران في غير محلّه لأنّ المراد ليس هو الفعل الموقّت قبل وقته حتّى يصير كالطيران بل المطلوب هو الفعل الموقّت في وقته وتجمع النفس على فعله في وقته حاصل دون الطيران إلى السماء فإنّ الشوق إليه كلّما زيد فيه لا يوجب تجمّع النفس نحو فعله فلا تغفل.
هذا كلّه بالنسبة إلى المقيس عليه وهو الإرادة التكوينيّة.
وأمّا الجواب عن المقيس وهو الإرادة التشريعيّة فبأن يقال إنّ الانبعاث في الواجبات الاستقباليّة ممكن أيضا على طبق البعث فإذا كان البعث نحو أمر فعليّ فالانبعاث ممكن بالنسبة إليه وإذا كان نحو أمر استقباليّ فالانبعاث أيضا ممكن بالنسبة إليه وما ليس بممكن هو الانبعاث نحوه قبل مجيء وقته وهو ليس بمبعوث إليه.
فالممنوع هو إمكان الباعثيّة في الزمان المتقدّم لا الزمان المتأخّر وليس هو من أغراض البعث نحو الأمر الاستقباليّ وإلّا لزم الخلف كما لا يخفى.
ولقد أفاد وأجاد سيّدنا الإمام المجاهد قدسسره حيث قال وأمّا التشريعيّة فإمكان تعلّقها بأمر استقباليّ أوضح من أن يخفى ولو سلّمنا امتناعه في التكوينيّة فإنّها وإن تتعلّق بالأمر لغرض البعث ومعه لا بدّ وأن يكون الانبعاث ممكنا لكنّ يكفي إمكانه على طبق البعث في إمكانه وصحّته والبعث إلى أمر استقباليّ يقتضي إمكان الانبعاث إليه لا إلى غيره والأغراض المتعلّقة للبعث في الحال كثيرة بل قد عرفت أنّ البعث القانونيّ لا يمكن إلّا بهذا النحو فلا ينبغي الإشكال فيه (١).
وأيضا أفاد وأجاد المحقّق العراقيّ قدسسره حيث قال إنّ التكليف المعلّق يمكن أن يكون داعيا للمكلّف في ظرف العمل وهو الزمان المتأخّر إذا حضر أو الزمانيّ المتعذّر إذا حصل وأكثر من هذا الإمكان لا يعتبر في كون التكليف هو جعل ما يمكن أن يكون
__________________
(١) مناهج الوصول : ج ١ ص ٣٦٣.