لا يقال إنّ الإرادة بالنسبة إلى الأمر الاستقباليّ ربما لا تبقى كما إذا عرض له الجنون أو الموت أو الغفلة فالعلّة حينئذ تحقّقت ولم يتحقّق المعلول فلزم الانفكاك لأنّا نقول إنّ في هذه الموارد يكشف عن أنّ العلّة لم تتحقّق لأنّ العلّة هي التي تبقى إلى وقت حدوث المعلول فما لم تبق ليس بعلّة.
هذا مضافا إلى أنّ ذلك ربما يتّفق بالنسبة إلى ما ربما يحتاج إلى المقدّمات في الواجبات الحاليّة كما إذا حصلت الإرادة نحو فعل شيء في وقته مع عدم حصول مقدّماته الوجوديّة ثمّ بعد الإتيان ببعض المقدّمات عرض له الجنون ونحوه ولم تبق له إرادة ذيه فالإشكال مشترك الورود فكلّما قيل لجوابه فهو الجواب في الواجبات الاستقباليّة أيضا.
وممّا ذكر يظهر ما في إفاضة العوائد حيث قال : إنّ الإرادة على ما قرّرنا عبارة عن حالة نفسانيّة جزميّة وعبّرنا عنها بتجمّع النفس على فعل شيء بنحو لا تنفكّ تلك الحالة عن تحريك العضلات ومعلوم أنّ تلك الحالة في النفس لا تتحقّق ما لم تجزم بأنّها لو تحرّكت نحوه تقدّر على إتيانه وتصديق ذلك موكول إلى الوجدان. أترى تحقّق تلك الحالة لأحد بالنسبة إلى الطيران إلى السماء كما تتحقّق عند شرب الماء مثلا ولو كان الشوق إلى الطيران أشدّ بمراتب من الشرب ويكفيك ذلك برهانا وليس الفعل الموقّت قبل وقته إلّا كالطيران فعلا فلا يمكن تلك الحالة قبل الوقت (١).
لما عرفت من أنّ الإرادة ليست ملازمة لتحريك العضلات بل ربما تتحقّق من دون ذلك كاراداتنا في أنفسنا وإرادة الله تعالى بالنسبة إلى الأشياء هذا مضافا إلى أنّ إرادة كلّ شيء مستلزمة للتحرّك بحسب ذلك الشيء فإن كان الشيء فعليّا فالتحرّك نحوه فعليّا وإن كان استقباليّا فالتحرّك نحوه استقباليّا فالإرادة لا تنفكّ عن التحرّك.
__________________
(١) افاضة العوائد : ج ١ ص ١٧٦.