ثمّ لا يخفى عليك أنّ القول بتغاير الطلب والإرادة لا يؤول إلى ما ذهب إليه الأشاعرة من الاعتقاد بالطلب النفسيّ لأنّ الطلب عندهم من الصفات النفسانيّة بخلاف ما قلناه فإنّ الطلب عنوان الفعل وهو مغاير مع الإرادة التي تكون هي من الصفات النفسانيّة.
المقام الثاني في حقيقة الكلام النفسيّ والطلب النفسيّ بناء على ما ذهب إليه الأشاعرة وأدلّتها :
ولا يخفى عليك أنّهم ذهبوا إلى أنّ الكلام النفسيّ في الأخبار أمر وراء الكلام اللفظيّ وهو المعنى القائم بالنفس الذي يعبّر عنه بالألفاظ ويقال هو الكلام حقيقة وهو قديم قائم بذاته تعالى وهو غير العبارات التي نعترف بحدوثها وعدم قيامها بذاته تعالى والكلام النفسيّ لا يختلف دون الكلام اللفظيّ فإنّه يختلف عباراته باختلاف الأزمنة والأمكنة والأقوام وأيضا الكلام النفسيّ أمر يغاير مع العلم إذ قد يخبر الرجل عمّا لا يعلمه بل يعلم خلافه أو يشكّ فيه ويغاير مع الإرادة أيضا إذ قد يأمر الرجل بما لا يريده كالمختبر لعبده هل يطيعه أو لا؟
ثمّ إنّ الدالّ على الكلام النفسيّ لا ينحصر بالألفاظ إذ ربما يدلّ عليه بالإشارة والكتابة وأيضا ذهبوا إلى أنّ الطلب النفسيّ غير الإرادة في الأوامر واستدلّوا عليهما بامور :
الأوّل : إنّ الدليل على أنّ الكلام النفسيّ مغاير مع العلم أنّ الرجل قد يخبر عمّا لا يعلمه بل يعلم خلافه أو يشكّ فيه فالخبر هو النسبة الحكميّة بين الموضوع والمحمول والمراد منها هو حكم النفس وإذعانها بها وهو غير انكشاف ثبوت شيء لشيء فالإذعان بالوقوع المأخوذ في الجمل الخبريّة غير العلم الواقعيّ بوقوع النسبة ضرورة أنّه قد يخبر المتكلّم وهو شاكّ بل قد يخبر وهو عالم بعدم الوقوع فالمراد من