حاجة إلى الأمر الغيريّ لو قلنا بالملازمة الشرعيّة وكون امتثاله موجبا للقربة ، أو من دون حاجة إلى داعويّة الأمر النفسي المتوجّه إلى الغايات ، فإنّ مقتضى تحقّق القربة بإتيانها بقصد التوصّل هو جواز الإتيان بالطهارات الثلاث قبل أوقات غاياتها لحصول عباديّتها بأن يكون الداعي له إلى إيجادها ـ كما في نهاية الاصول ـ هو وقوعها في طريق امتثال الأمر الذي يعلم بتحقّقه بعد دخول الوقت ؛ ولعلّ هذا هو المبنيّ للقول بصحّة الوضوء التهيئي. ويؤيّده المرسل المرويّ عن الذكرى من قولهم عليهمالسلام : «وما وقّر الصلاة من أخّر الطهارة لها حتّى يدخل وقتها» (١).
وعليه فيمكن أن يأتي المكلّف بالوضوء بقصد التوصّل إلى غايته قبل حلول وقت غايته لكفاية ذلك في عباديّته ، فيحصل بذلك الوضوء المقدّمي الذي يشترط بأن يؤتى به بقصد العبادة ولا دخل في صيرورته عبادة حلول الوقت ، وممّا ذكر يظهر أنّه لا وجه للقول بأنّ إتيان الوضوء بتلك الغاية ـ أعني غاية التهيّؤ للصلاة ـ لم يثبت مشروعيّته في الشرع ، لما عرفت من وضوح مقدّميّة الوضوء للصلاة مع قصد القربة والعبادة وكفاية قصد التوصّل به إلى غايته وهي الصلاة في تحقّق قصد القربة والعبادة ، فلا حاجة في إثبات مشروعيّته قبل الوقت إلى ورود دليل آخر.
وربّما يستدلّ على استحباب الوضوء التهيّئي بالآيات الآمرة باستباق الخيرات والمسارعة إلى مغفرة الله سبحانه بتقريب أنّ أفضليّة الصلاة في أوّل وقتها تدلّ بدلالة الاقتضاء على جواز الإتيان بالوضوء للتهيّؤ قبل الوقت ، لوضوح أنّه إذا لم يخيّر للمكلف الإتيان بالوضوء للتهيّؤ قبل الوقت لم يتمكّن من الإتيان بالصلاة في أوّل وقتها ، ولكان الحثّ على الإتيان بها وقتئذ في تلك الأدلّة لغوا ظاهرا ، ومع سقوطها لم يمكن الحكم بأفضليّة الصلاة في أوّل وقتها.
__________________
(١) الوسائل : أبواب الوضوء ، الباب الرابع.